أتاني طيف عبلة في المنام – عنترة بن شداد
وحقِّ هواكِ لا داوَيْتُ قلبي أتاني طَيْفُ عبْلة َ في المَنامِ
مقدمة عن الشاعر:
عنترة بن شداد العبسي هو أحد أشهر شعراء الجاهلية وفارس من فرسان العرب. وُلد في القرن السادس الميلادي لأب عربي وأم حبشية، مما جعله يعاني من العنصرية والتمييز الاجتماعي في بداية حياته. تميز عنترة بشجاعته الفائقة في الحروب وفروسيته العالية، وأصبح رمزاً للشجاعة والقوة. كانت عبلة بنت مالك، ابنة عمه، ملهمة له في شعره، إذ أحبها حباً عظيماً وتجلى هذا الحب في الكثير من قصائده.
قصة القصيدة:
قصيدة “أتاني طيف عبلة في المنام” تُعد من القصائد التي عبّر فيها عنترة بن شداد عن حبه العميق لابنة عمه عبلة، وعن المعاناة التي يعيشها بسبب هذا الحب. يصف عنترة في هذه القصيدة أحلامه وطيف عبلة الذي يأتيه في المنام ويؤجج نار الحب في قلبه. كما يتحدث عن الصعوبات التي يواجهها للوصول إلى محبوبته نظراً للمكانة الاجتماعية الرفيعة لأسرتها والقيود التي تفرضها الأعراف والتقاليد.
موضوع القصيدة:
تتمحور القصيدة حول الحب العذري والصعوبات التي يواجهها الشاعر في التعبير عن حبه والوصول إلى محبوبته. يُظهر عنترة في هذه الأبيات مدى إخلاصه ووفائه لحبه لعبلة، رغم كل المعوقات التي تقف في طريقه.
وحقِّ هواكِ لا داوَيْتُ قلبي أتاني طَيْفُ عبْلة َ في المَنامِ
فقبَّلني ثلاثاً في اللثامِ
وودَّعني فأودعني لهيباً
أستّرُهُ ويَشْعُلُ في عِظامي
ولو أنني أخْلو بنفْسي
وأطفي بالدُّموع جوى غرامي
لَمتُّ أسى ً وكم أشْكو لأَني
وأطْفي بالدُّموع جَوى غَرامي
أيا ابنة َ مالكٍ كيفَ التَّسلّي
وعهدُهواك من عهدِ الفِطام
وكيفَ أرُومُ منْكِ القُرْبَ يوْماً
وحولَ خباكِ آسادُ الإجام
وحقِّ هواكِ لا داوَيْتُ قلبي
بغيرِ الصبر يا بنتَ الكرام
إلى أنْ أرتقي درجَ المعالي
بطعن الرُّمح أو ضربِ الحسام
أنا العبدُ الذي خُبّرْتِ عنه
رَعيْتُ جِمالَ قوْمي منْ فِطامي
أروحُ من الصَّباح الى مغيبٍ
وأرقُدُ بينَ أطْنابِ الخِيامِ
أذِلُّ لعبْلة ٍ منْ فَرْطِ وجْدي
وأجعلها من الدُّنيا اهتمامي
وأمْتثِلُ الأَوامرَ منْ أَبيها
وقد مَلكَ الهوى مني زمامي
رضيتُ بحبّها طوْعاً وكُرْهاً
فهلْ أحظى بها قبلَ الحمام
وإنْ عابتْ سوادي فهو فخري
لأني فارسٌ من نسل حام
ولي قلْبٌ أشَدُّ منَ الرّواسي
وذكري مثلُ عرْفِ المسْكِ نام
ومنْ عَجبي أَصيدُ الأُسْد قَهْراً
وأَفتَرسُ الضَّواري كالهوَام
وتقنصني ظبا السَّعدي وتسطو
عليَّ مها الشَّرِبَّة ِ والخُزام
لَعَمْرُ أبيكَ لا أَسْلو هَواها
ولو طحنتْ محبَّتها عظامي
عليْكِ أَيا عُبيْلة ُ كلَّ يوْمٍ
سلامٌ في سلامِ في سلامِ
تحليل القصيدة:
- البنية العاطفية:
- يبدأ عنترة القصيدة بقسمٍ بحب عبلة مؤكداً أنه لا يستطيع مداواة قلبه الجريح إلا بالصبر.
- يصور طيف عبلة الذي يزوره في المنام ويقبلّه ثلاثاً، مما يزيد من لهيب شوقه وحبه.
- الصراع الداخلي:
- يعبر عنترة عن صراعه الداخلي بين الحب والواقع، وكيف أنه يحاول إخفاء مشاعره ولكنه يفشل.
- يستخدم الشاعر تعبيرات قوية ليصف حجم معاناته، مثل “لو أنني أخلو بنفسي” و”لَمتُّ أسى ً”.
- التضحية والوفاء:
- يوضح عنترة استعداده للتضحية بكل شيء من أجل حب عبلة، حتى لو كلفه ذلك حياته.
- يتحدث عن خدماته لمحبوبته وأوامر أبيها التي يمتثل لها بسبب الحب الذي يملكه.
- الفخر بالنسب والشجاعة:
- يفتخر عنترة بفرسه وشجاعته في الحروب، مما يعكس صورة المحارب الذي لا يهاب الموت.
- يشير إلى فخره بأصوله رغم عيب السواد الذي يراه البعض، مؤكداً أن شجاعته وفروسيته تعوض هذا العيب.
- الأمل واليأس:
- يظهر في نهاية القصيدة الأمل الذي يحمله في قلبه بأن يحظى بحب عبلة قبل الموت، رغم اليأس الذي يحيط به.
استخدام اللغة:
- الأسلوب الشعري: استخدم عنترة أسلوباً بلاغياً رائعاً يجمع بين الصور الشعرية القوية والتعابير العميقة التي تجسد مشاعره الصادقة.
- الألفاظ والمعاني: اختار الشاعر ألفاظاً تعبر عن قوته وشجاعته، وأخرى تعكس معاناته وحبه العميق، مما يعطي القصيدة طابعاً متكاملاً يجمع بين الرقة والقوة.
خاتمة:
تُعتبر هذه القصيدة من أروع ما كتبه عنترة بن شداد، حيث تبرز فيها قوة الحب العذري الذي يتحدى الصعاب والمعوقات. تعكس القصيدة حالة من الصراع الداخلي والتضحية، وتُظهر الفارس العاشق الذي يحارب بشجاعة من أجل حبه.