ذكرت صبابتي من بعد حين – عنترة بن شداد
ذكرتُ صبابتي من بعدِ حينِ فعَاد ليَ القديمُ من الجُنُونِ
تعريف بالشاعر “عنترة بن شداد”:
عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية بن قراد العبسي هو أحد أشهر فرسان وشعراء العرب في فترة ما قبل الإسلام. وُلد عنترة في نجد في القرن السادس الميلادي، وكان ابنًا لعبد حبشي وأم عربية، مما جعل وضعه الاجتماعي صعبًا في البداية. تميز عنترة بالشجاعة والبطولة، وأصبح من أشهر فرسان قبيلة عبس. عُرف بقصائده التي تمجد البطولات والفروسية، وأشهرها معلقته التي خلدت اسمه في الأدب العربي.
قصة القصيدة:
قصيدة “ذكرتُ صبابتي من بعدِ حينِ” تُنسب إلى عنترة بن شداد، وهي تعبر عن مشاعر الحب والصبابة تجاه عبلة، محبوبته. في هذه الأبيات، يصف عنترة شوقه وحنينه إلى ديار الحجاز حيث تسكن عبلة، وكيف أن قلبه يتأجج بالشوق بعد فترة من السكون. كما يتحدث عن قوته وشجاعته، ويؤكد أن أفعاله في المعارك تثير الرعب حتى في أشجع الرجال.
ذكرت صبابتي من بعد حين – عنترة بن شداد
ذكرتُ صبابتي من بعدِ حينِ
فعَاد ليَ القديمُ من الجُنُونِ
وحَنَّ إلى الحِجاز القلْبُ مني
فهاجَ غرامهُ بعد السكون
أتطلبُ عبلة ً مني رجالٌ
أقلُّ الناس علما باليقين
رويداً إنَّ أفعالي خطوبٌ
تشيبُ لهوْلها رُوسُ القُرون
فكمْ ليلٍ ركبتُ به جواداً
وقد أصبحتُ في حصنٍ حصين
وناداني عِنانٌ في شِمالي
وعاتبني حسامٌ في يميني
أيأخذُ عبلة ً وغدٌ ذميمٌ
ويحظى بالغنى والمالِ دوني
فكم يشكو كريمُ منْ لئيم
وكم يَلْقى هِجانٌ من هَجين
وما وجد الأعادي فيَّ عيباً
فعابوني بلون في العيون
ومالي في الشَّدائد من مُعينِ
سِوى قَيْسِ الذي منها يقيني
كريمُ في النوائب أرتجيهِ
كما هُو للمعامع يصْطفيني
لقد أضحى متيناً حبلُ راجٍ
تمسكَ منهُ بالحبل المتين
من القَوم الكرام وهم شمُوسٌ
ولكن لا توارى بالدجون
إذا شَهدُوا هياجاً قلْت: أُسْدٌ
منَ السمر الذوابل في عرين
أيا ملكاً حوى رتبَ المعالي
إليكَ قدِ التَجأْتُ فكُنْ مُعيني
حللْتَ من السعادة ِ في مكانٍ
رفيع القدر منقطع القرين
فمن عاداكَ في ذُلٍّ شديدٍ
ومنْ والاك في عزّ مبين
تحليل القصيدة:
1- الموضوع:
القصيدة تعبر عن عدة مواضيع مترابطة: الحب والحنين، الفروسية والشجاعة، والاعتزاز بالنفس والتحدي. يجمع عنترة بين مشاعر الحب العميقة والحنين إلى دياره ومحبوبته عبلة، وبين فخره بشجاعته وبطولاته في المعارك.
2- المشاعر والأحاسيس:
- الحب والحنين: يظهر عنترة شوقه وحنينه العميقين لمحبوبته عبلة ولديار الحجاز.
- الفخر والاعتزاز: يبرز عنترة فخره بأفعاله وشجاعته في المعارك، مؤكداً أنه لا يمكن لرجل عادي أن يأخذ عبلة منه.
- التحدي والانتقاد: ينتقد عنترة الذين يحاولون التقليل من شأنه بسبب لون بشرته، ويؤكد أن قوته وشجاعته هي ما يميزه.
3- الصور الشعرية:
- الحنين والشوق: “فعَاد ليَ القديمُ من الجُنُونِ” و”وحَنَّ إلى الحِجاز القلْبُ مني” تعبران عن شدة الشوق الذي يعود إلى الشاعر بقوة.
- الفروسية والشجاعة: “فكمْ ليلٍ ركبتُ به جواداً” و”وناداني عِنانٌ في شِمالي” تصف بطولاته في المعارك وصعوبة المواقف التي واجهها.
- التحدي والاعتزاز: “رويداً إنَّ أفعالي خطوبٌ تشيبُ لهوْلها رُوسُ القُرون” و”وما وجد الأعادي فيَّ عيباً فعابوني بلون في العيون” تؤكد على قوته وتحديه للمنتقدين.
4- البنية والأسلوب:
القصيدة مبنية على استخدام لغة قوية وجزلة، تتناسب مع شخصية عنترة الفارسية والشاعرية. يستخدم الشاعر الأفعال والأوصاف القوية ليبرز شجاعته وتحديه، مثل “تشيب لهوْلها رُوسُ القُرون” و”نركبتُ به جواداً”.
الخلاصة:
هذه القصيدة تعكس جوانب متعددة من شخصية عنترة بن شداد: حبه العميق ووفاءه لمحبوبته عبلة، شجاعته الفائقة في المعارك، وفخره بنفسه وتحديه للمنتقدين. تعكس القصيدة أيضاً مزيجاً من المشاعر الإنسانية النبيلة والشجاعة الفطرية، مما يجعلها قطعة شعرية مميزة في الأدب العربي.