يا دار أين ترحل السكان – عنترة بن شداد

مقدمة عن الشاعر:

عنترة بن شداد هو واحد من أبرز شعراء العصر الجاهلي، وُلد في قبيلة بني عبس، وعُرف بشجاعته ومهارته في الفروسية. يُعتبر رمزًا للشجاعة والفخر، وقد خدم في الحروب والنزاعات القبلية. يُعد شعره من أعظم ما أُنتج في الأدب العربي، حيث يتناول مواضيع الحب، الفخر، والحرب. كان يعشق امرأة تُدعى عبلة، التي كانت مصدر إلهامه الرئيسي في العديد من قصائده.

قصة القصيدة:

تتحدث قصيدة “يا دار أين ترحل السكان” عن الشوق والحنين إلى الوطن، وهي تعبير عن ألم الفراق والاشتياق للحبيبة عبلة وأهلها. يصف الشاعر كيف كانت الديار مليئة بالحياة والأنس، ولكنها أصبحت فارغة بعد رحيل أهلها. يتساءل عن مكانهم ويدعوهم للعودة، ويعبر عن حزنه لفقدانهم.

يا دارُ أينَ ترَّحلَ السُّكانُ
وغدتْ بهم من بعدنا الأظعانُ
بالأمسِ كان بكِ الظباءُ أوانساً
واليومَ في عرصاتكِ الغربان
يا رداَ عبلة َ أين خيَّمَ قومها
لمَّا سَرَتْ بهمُ المَطيُّ وبانُوا
ناحت خميلاتُ الأراك وقد بكى
من وحشة ٍ نزلت عليه البان
يا دارُ أرواحُ المنازلِ أهلها
فإذا نأَوْا تَبكيهم الأبدانُ
يا صاحبي سَلْ ربْعَ عبْلَة َ واجتهدْ
إنْ كانَ للرّبعِ المحيل لسان
يا عَبْلُ ما دَامَ الوصالُ ليالياً
حتى دهانا بعدهُ الهجران
ليت المنازلَ أخبرت مستخبراً
أين استقرَّ بأهلها الأوطان
يا طائراً قد باتَ يندبُ إلفهُ
وينُوحُ وهْوَ مُولّهٌ حَيرانُ
لو كنتَ مثلي ما لبثتَ ملوَّناً
حَسناً ولا مالتْ بكَ الأَغصان
أين الخَليُّ القلْبِ ممَّنْ قلْبُهُ
من حرِّ نيرانِ الجوى ملآن
عِرْني جَناحَكَ واسْتعِرْ دمْعي الذي
أفنى ولا يفنى له جريان
حتى أَطيرَ مُسائلاً عنْ عبْلة ٍ
إنْ كان يُمكنُ مثليَ الطَّيرانُ

تحليل القصيدة:

تبدأ القصيدة بالتعبير عن حنين الشاعر إلى دار عبلة، حيث يسأل عن مكان سكانها بعد رحيلهم. يُظهر الشاعر كيف كانت الديار مليئة بالحياة، حيث كانت الظباء تسير بسلام، بينما اليوم تسيطر الغربان، مما يُبرز شعور الفقد والفراغ.

في الأبيات التالية، يتحدث عن “عبلة” ويعبر عن ألمه بسبب الهجران بعد فترة من الوصال، ويتمنى لو كانت المنازل قادرة على التحدث وإخبارهم عن مصير سكانها. يُظهر الشاعر في هذا الجزء من القصيدة مشاعر الفراق والفقد، حيث يشعر بالحزن العميق لفراقه عن حبيبته.

كما يستعير الشاعر صوت الطائر الذي يندب إلفه، ليعكس حالته النفسية الحزينة. ويتمنى لو كان لديه القدرة على الطيران ليبحث عن عبلة. يُظهر الشاعر عمق مشاعره من خلال استخدام الاستعارات والرموز، مما يضيف جمالًا وعمقًا للأبيات.

الخلاصة:

تتحدث قصيدة “يا دار أين ترحل السكان” عن مشاعر الحزن والشوق التي عاشها عنترة بسبب فراقه عن عبلة، وهي تعكس الجوانب الإنسانية في شعره، حيث يجمع بين الفخر والشجاعة مع العواطف الإنسانية العميقة. إن شعر عنترة يمثل جزءًا مهمًا من التراث الأدبي العربي، ويعكس جوانب مختلفة من الحياة في العصر الجاهلي.