يا أيها الملك الذي راحاته – عنترة بن شداد
يا أيها الملكُ الذي راحاتُهُ قامَتْ مَقامَ الغيْثِ في أزمانِهِ
مقدمة عن الشاعر:
عنترة بن شداد العبسي هو شاعر وفارس عربي من قبيلة بني عبس في العصر الجاهلي. يُعرف بشجاعته الفائقة وحبه لابنة عمه عبلة، وهو واحد من أشهر فرسان العرب الذين خلدت سيرهم في الأدب العربي. كانت حياته مليئة بالمغامرات والحروب، وقد انعكست تجربته الشخصية على أشعاره، مما جعلها تجسد الكثير من مشاعر الشجاعة والفروسية والحب.
قصة القصيدة:
تُعتبر قصيدة “يا أيها الملك الذي راحاته” واحدة من مدائح عنترة بن شداد، التي كان يعبر فيها عن إعجابه وتقديره لأحد الملوك. يظهر فيها عنترة مشاعر الولاء والانبهار بالعطاء الملكي، وهي تعكس جزئياً رغبة الشاعر في استجلاب رضا الملوك وكسب حمايتهم. تم توجيه هذه القصيدة إلى أحد الملوك الذي يراه عنترة مثلاً أعلى في الكرم والشجاعة والعدل.
موضوع القصيدة:
تدور القصيدة حول مدح الشاعر للملك، مشيدًا بصفاته النبيلة من كرم وجود، وشجاعة وعدل. يبدأ عنترة بوصف تأثير الملك الإيجابي على من حوله، مشبهًا إياه بالغيث الذي يحيي الأرض ويجلب الرخاء. يستمر في مدح جوده الذي يفوق عطايا السماء، وحسن تعامله مع الأحزان. ويصف عنترة المواقف البطولية للملك في المعارك، حيث يتغلب على أعدائه بشجاعةٍ وقوةٍ لا مثيل لها. كما يتحدث عن رفاهية الحياة في بلاطه، من حدائق غنية ومياه وفيرة، ويرى في ذلك رمزًا لعطاء الملك السخي.
يا أيها الملكُ الذي راحاتُهُ
قامَتْ مَقامَ الغيْثِ في أزمانِهِ
يا قِبْلَة َ القُصَّادِ يا تاجَ العُلا
يا بدْر هذا العصر في كيوانه
يا مُخجِلاً نَوْءَ السَّماء بجُودهِ
يا مُنْقذَ المحزونِ منْ أحزانه
يا ساكِنينَ ديارَ عبْسٍ إنني
لاَقيْتُ منْ كِسرى ومنْ إحْسانه
ما ليْس يوصَفُ أو يُقَدَّرُ أوْ يَفي
أوْصافَهُ أحدٌ بوَصْفِ لسانه
ملكٌ حوى رتبَ المعالي كلّها
بسموِّ مجدٍ حلَّ في إيوانه
مولى به شرفَ الزَّمانُ وأهلهُ
والدَّهْرُ نالَ الفَخْرَ من تيجانه
وإذا سطا خافَ الأنامُ جميعهم
منْ بأْسهِ واللّيثُ عنْد عِيانِه
المظهرُ الإنصاف في أيَّامهِ
بخصالهِ والعدلَ في بلدانهِ
أمسيتُ في ربعٍ خصيبٍ عندهُ
متنَزِّهاً فيه وفي بسْتانهِ
ونظَرْتُ برْكَته تَفيضُ وماؤها
يَحْكي مواهِبَه وجودَ بنانه
في مَربَعٍ جمَعَ الرَّبيعَ بربْعهِ
من كلِّ فنِّ لاحَ في أفنانه
وطُيورُهُ منْ كلِّ نوْعٍ أَنْشَدَتْ
جهراً بانَّ الدَّهرَ طوعُ عنانه
ملكٌ إذا ما جالَ في يوم اللّقا
وَقَفَ العدُّو مُحيَّراً في شانه
والنَّصْرُ من جُلَسائِهِ دونَ الورى
والسَّعد والإقبالُ من أعوَانه
فلأشكرنَّ صنيعه بينَ الملا
وأُطاعِنُ الفُرْسانَ في مَيْدانِهِ
تحليل القصيدة:
- اللغة والأسلوب: استخدم عنترة في هذه القصيدة أسلوبًا بلاغيًا راقيًا يعكس براعة الشعر الجاهلي في استخدام الصور البيانية والتشبيهات. الكلمات المستخدمة تضفي رونقًا خاصًا وتعبر عن احترام وإجلال كبيرين للملك.
- الصور البلاغية: تعتمد القصيدة على العديد من التشبيهات والاستعارات. يشبه عنترة الملك بالغيث الذي يحيي الأرض، والبركة التي تفيض بمائها، ويقارن شجاعته بشجاعة الأسد في المعارك.
- الهيكل والبنية: تتألف القصيدة من أبيات متناسقة، كل بيت يكمل الآخر في رسم صورة مشرقة للملك. يبدأ عنترة بوصف الملك وصفاته، ثم ينتقل إلى وصف تأثيره على الناس والبلاد، ويختتم بوعده بشكر الملك والدفاع عنه.
- المعاني والقيم: تبرز القصيدة قيمة الولاء والشكر، حيث يعبر عنترة عن امتنانه للملك ويعِدُ بالدفاع عنه ومقاتلة الأعداء. كما تعكس القصيدة أهمية العدل والكرم كقيم نبيلة يجب أن يتحلى بها الحكام.
الخلاصة:
تُظهر هذه القصيدة البراعة الأدبية لعنترة بن شداد في التعبير عن مشاعره وأفكاره بأسلوب فني رفيع. تعكس القصيدة مشاعر الولاء والإعجاب بشخصية الملك الذي يمثل بالنسبة لعنترة نموذجًا مثاليًا للحاكم العادل والكريم. وتحمل في طياتها دعوة للحكام بالتحلي بالعدل والكرم والشجاعة، وهي قيم أساسية في الفروسية العربية.