في عظمة الدين الإسلامي وفي مقاماته السامية، يبرز يوم عرفة كأحد أبرز الأيام المباركة التي تحمل في طياتها فضلًا عظيمًا ومكانة خاصة في قلوب المسلمين. إنه يوم يشكل نقطة تحول في حياة كل مسلم يسعى إلى التقرب من الله بطاعته.
لماذا سمي يوم عرفة بهذا الاسم
تسمية وقفة عرفة بالاسم هذا مرتبطة بمكان الوقوف نفسه وبالأحداث التي وقعت فيه. يحدث الوقوف على جبل عرفة في يوم التاسع من ذي الحجة، وهو يوم يسبق يوم النحر، ويرتبط هذا اليوم بأهم شعيرة في مناسك الحج.
أما بالنسبة للمعنى اللغوي لكلمة “عرفة”، فهي تأتي من الفعل “عَرَفَ” الذي يعني “أدرك” أو “تعرف”، والوقفة في هذا المكان تشير إلى أن المسلمين يقفون ويعرفون بأنفسهم وبذنوبهم أمام الله تعالى، متضرعين إليه بالدعاء والتوبة، في آملين في مغفرتهم ورحمته. وتأتي تسمية “أهل الموقف” للحجاج الذين يقفون في هذا الموقف، لتعكس هذه الفعلية والتضرع التي تمارس في هذا اليوم المبارك.
فضل يوم عرفة
إنَّ الأيام والليالي، والشهور والأعوام، خزائن للأعمال، والسعيد هو من وُفِّق لاستثمارها. قال تعالى: {وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذَّكر أو أراد شكوراً} الفرقان: 62، ولاسيما تلك الأوقات المميزة، التي اختصَّها الله بمزيد من الفضل والأجر والثواب، ومن تلك الأوقات العظيمة يوم عرفة، الذي كثرت النصوص في الكتاب والسنة، تشير إلى فضله وشرفه، وسأورد لك بعضها:
أولاً: أنه يوم إكمال الدين وإتمام النعمة، عن عمر بن الخطاب أن رجلًا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا. قال: أي آية؟ قال: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} [المائدة: 3] قال عمر: (قد عرفنا ذلك اليوم، والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قائم بعرفة يوم جمعة).
ثانياً: أن صيامه يكفر سنتين، فقد ورد عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال: (يكفر السنة الماضية والسنة القابلة.)
ثالثاً: أنه يوم عيد لأهل الموقف، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب)
رابعاً: أنه يوم أقسم الله به، فالعظيم لا يقسم إلا بعظيم، فهو اليوم المشهود في قوله تعالى: “وشاهدٍ ومشهود” البروج: 3، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة.)
خامساً: الدعاء يوم عرفة عظيم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خيرُ الدعاءِ دعاءُ يومِ عرفةَ وخيرُ ما قلتُ أنا والنبيونَ من قبلي لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ له الملكُ وله الحمدُ وهو على كلِّ شيء قديرٍ).
سادساً: إنه يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار، ففيه يعتق الله عباده من النار بشكلٍ كبير، ويباهي بهم أمام الملائكة، مما يدل على مغفرتهم وتقبل توبتهم. عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء)
سابعاً: أنه أفضل الأيام، كما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم (أفضَلُ الأيامِ عندَ اللهِ يومُ النحْرِ، ثم يومُ القَرِّ.) وعبدالله بن عمرو قال النبي صلى الله عليه وعيلم (إنَّ اللهَ عزَ وجلَّ يباهي ملائكتَهُ عشيةَ عرفةَ بأهلِ عرفةَ فيقولُ : انظروا إلى عبادي أتوني شُعثا غُبرا)
ثامناً يوم عرفة هو ركن من أركان الحج، بل هو ركن الحج الأعظم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحجُّ عرفةُ ، فمن أدرك عرفةَ فقد أدرك الحجَّ)
فضل صيام يوم عرفه
يحرص المسلمون الذين لا يستطيعون أداء فريضة الحج على صيام يوم عرفة بسبب فضله وبركته في إجابة الدعاء. في هذا اليوم، يسعى الناس للتقرب إلى الله بأي عمل يحبه، والصيام من بين أعظم العبادات التي يقدمها المؤمنون لله. يواظب المسلمون على صيام يوم عرفة لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يكفر السنة الماضية والسنة القابلة.)
كما جاء عن النبيّ – عليه الصلاة والسلام – أنّه نهى عن صوم يوم عرفة للحُجاج الواقفون بعرفات، فلا يَجُوز للحاج صيامه، تحكي أم الفضل بنت الحارث امرأة العباس بن عبد المطلب : (أن ناسًا تمارَوْا عندها يوم عرفة في صيام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم فأرسلت إليه بقدح لبن، وهو واقف على بعيرِه بعرفة فشَرِبَه)
افضل الاعمال في يوم عرفة
1- الصيام: ورد عن الرسول أن صيام يوم عرفة يُكفر به الله السنة الماضية والباقية، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يكفر السنة الماضية والسنة القابلة.)، وهذا يشجع على صيامه لغير الحجاج. أما الحاج فلا ينبغي له صيام يوم عرفة، حيث يجب عليه التركيز على الوقوف في عرفات وذكر الله، لأنه يوم مغفرة الذنوب والتحرر من النار، ويكون فيه المؤمنون محل مباهاة واهتمام الملائكة. فعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء)
2- الذكر والدعاء: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خيرُ الدعاءِ دعاءُ يومِ عرفةَ وخيرُ ما قلتُ أنا والنبيونَ من قبلي لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ له الملكُ وله الحمدُ وهو على كلِّ شيء قديرٍ).
3- التكبير: تكبيرات العيد تأتي بصيغ متنوعة، وجميعها تحقق الغرض المطلوب منها، فمنها:
– الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله… الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
– الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، كبيراً. والحمدلله كثيراً
فيما يتعلق بالتكبير، فإن الأمر واسع ومتعدد الصيغ، كما أشار إليه أهل العلم، والهدف هو إقامة ذكر الله في هذا اليوم المبارك والاكثار من التكبيرات.
4- الدعاء: في يوم عرفة، ينبغي للمسلم أن يهتم بالدعاء بجد وإخلاص، ويدعو بالأدعية التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم وبأخرى أيضًا. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خيرُ الدعاءِ دعاءُ يومِ عرفةَ وخيرُ ما قلتُ أنا والنبيونَ من قبلي لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ له الملكُ وله الحمدُ وهو على كلِّ شيء قديرٍ). وهذا يعتبر من أفضل الأدعية التي يمكن أن يتضرع بها المسلم في ذلك اليوم المبارك.
أفضل دعاء يوم عرفة
يُعتبر أفضل الدعاء الذي يمكن الدعاء به في يوم عرفة هو ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بدعائه في هذا اليوم المبارك، حيث قال: “خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَاْ وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”، فينبغي على المسلم أن يحرص على الإكثار من هذا الدعاء في يوم عرفة اقتداء بالنبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.