أولو العزم من الرسل هم الذين صبروا بصبر زائد، وواجهوا تكذيبًا وعنادًا يتجاوز الوصف من أقوامهم. فقال تعالى-: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ). أولو العزم من الرسل خمسة هم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وسيدنا نوح، وسيدنا إبراهيم، وسيدنا موسى، وسيدنا عيسى عليهم السلام. يؤكد هذا على أنّ كل أنبياء الله لديهم عزم كبير، مثل عزم الجبال، إلا هؤلاء الخمسة حيث يكون عزمهم أكبر من ذلك. فقال تعالى-: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ)
من هم أولو العزم من الرسل
قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) سورة الأحزاب الآية (7)
نوح عليه السلام
قصة سيدنا نوح -عليه السلام- مع قومه تبيّن كيف أرسله الله لقوم كانوا يعبدون الأصنام ويتخذون لها أسماء ما أنزل الله بها من سلطان. بدأ نوح -عليه السلام- دعوته بكل الوسائل الترغيبية والترهيبية ليحثّ قومه على ترك عبادة الأوثان والتوجه إلى عبادة الله الواحد القهار. أخبرهم أنه لا يبتغي من وراء دعوته أي أجر منهم، بل هو يبتغي الأجر من الله فقط. (وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين) (الشعراء:109)
لكن قوم نوح -عليه السلام- لم يستجيبوا لدعوته، بل اعتبروا دعوته ضلالًا مبينًا وأصروا على كفرهم وشركهم فقالوا: (إنا لنراك في ضلال مبين) (الأعراف:60). رفضوا ترك عبادة الأصنام ووصفوا دعوته بالضلال. مكث نوح في دعوته لقومه ما يقرب الألف سنة، ولكنهم لم يستجيبوا له ولم يلبوا دعوته.
بعد أن فشلت جميع أساليب الدعوة، أمر الله نوح بأنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن، وأخبره أن لا يحزن على ما كانوا يفعلون. ولما لم تنفع معهم الدعوة، أغرقهم الله جميعًا، جعلهم عبرة لمن يعتبر. قال تعالى: (إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين) (الأنبياء:77) ونجى نوح، ومن معه على السفينة.
أهم فضائل سيدنا نوح عليه السلام:
1- القوة والصبر: منح الله -تعالى- نوحًا قوة لا تنقص رغم العمر الطويل الذي عاشه، مما يظهر عظمته وصلابته في مواجهة التحديات والمصاعب.
2- موقفه في الميثاق: جعل الله نوحًا -عليه السلام- النبي الثاني في الميثاق والوحي بعد رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم-، مما يبرز مكانته العظيمة في عالم الأنبياء. قال -تعالى-: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ).
3- الإيمان والتصميم: بلغ نوح -عليه السلام- درجة عالية من الإيمان والتصميم في دعوته إلى الله، حيث لم يثنيه عن دعوته أي معاناة أو مضايقة واجهها، وظل يدعو قومه ليلا ونهارا دون كلل أو يأس.
4- الشكر والعبودية: سمّا الله نوحًا -عليه السلام- عبدًا شكورًا، مما يظهر تقدير الله لنوح وامتنانه لطاعته وإيمانه. قال -تعالى-: (ذُرِّيَّةَ مَن حَمَلنا مَعَ نوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبدًا شَكورًا).
5- الثبات والصمود: تحمل نوح -عليه السلام- الضرب والشتم ومختلف ألوان الأذى دون أن يتراجع عن دعوته، مما يظهر صلابته وصموده في وجه المعاناة.
6- حفظه من الغرق:كرم الله -تعالى- نوحًا -عليه السلام- من الغرق وحفظ كل من كان معه في السفينة، مما يدل على رحمته وعنايته بعباده المؤمنين.
إبراهيم عليه السلام
قوم إبراهيم -عليه السلام- كانوا يشركون بالله ويعبدون الأصنام بدلًا منه، فبعث إليهم نبيهم إبراهيم -عليه السلام- ليدعوهم إلى التوحيد ويحثهم على ترك عبادة الأصنام، كما جاء في قول الله تعالى: “وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ” [سورة العنكبوت: 16].
إبراهيم -عليه السلام- بذل جهودًا كبيرة لتوجيه قومه بعيدًا عن الأساطير والخرافات، وحثهم على عبادة الله وحده وتجنب الشرك. حتى والده، الذي كان يعبد الأصنام، نصحه بأن يترك ذلك، ولكنه رفض وحاول أن يهدده بالهجر والرجم.
في يوم من الأيام، وفي غفلة من قومه، قام إبراهيم -عليه السلام- بتحطيم أصنامهم، باستثناء الصنم الكبير، لكي يوضح لهم عدم فعالية تلك الأصنام. وعندما عاد القوم من عيدهم، وجدوا أصنامهم محطمة، فاتهموا إبراهيم بالتحطيم. لكنهم عندما سألوه من فعل ذلك، أشار إلى الصنم الكبير قائلاً: “بَل فَعَلَهُ كَبيرُهُم هـذا فَاسأَلوهُم إِن كانوا يَنطِقونَ”، فرجعوا إلى أنفسهم وتفكروا في الأمر، وأدركوا عدم قدرة الأصنام على التكلم أو تحقيق النفع أو الضرر.
فاعترفوا بعجز أصنامهم وانقطعت حجتهم، وقرروا استخدام القوة المفرطة. قالوا: “حَرِّقوهُ وَانصُروا آلِهَتَكُم إِن كُنتُم فاعِلينَ”، ثم أعدوا لحرق إبراهيم بنار عظيمة، وألقوه فيها. لكنه لم يفقد الثقة بالله، وقال: “حسبي الله ونعم الوكيل”. فأنقذه الله وجعل النار بردًا وسلامًا عليه، وأبطل مكر الكافرين. هكذا أظهر الله قوة الإيمان وصدق دعوة إبراهيم وأبطل مكر الكافرين.
أهم فضائل سيدنا إبراهيم عليه السلام:
1- كونه خليل الله: جعله الله خليلًا له، كما قال الله في القرآن: “وَاتَّخَذَ اللَّـهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا” [سورة النساء: 125].
2- بناء الكعبة وتطهيرها: أمر الله إبراهيم وابنه إسماعيل -عليهما السلام- ببناء بيته وتطهيره. وقد ذكر الله في القرآن الكريم: “وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ” [سورة البقرة: 127].
3- صدقه ونبوّته: وصفه الله بالصدق والنبوة، كما جاء في القرآن: “وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا” [سورة مريم: 41].
4- كونه أوّل من يُكسى يوم القيامة: وفقًا لحديث نبوي، يُكسى إبراهيم -عليه السلام- أوّلاً يوم القيامة، وذلك بمثابة تكريمه من الله.
5- كونه إمامًا وقدوة للناس: وصف الله إبراهيم -عليه السلام- بأنه إمامًا للناس، كما جاء في القرآن: “وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ” [سورة البقرة: 124].
6- حصر النبوة والكتاب في ذريته: جعل الله النبوة والكتاب حصرًا في ذريّة إبراهيم -عليه السلام-، كما قال الله في القرآن: “وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ” [سورة الأنعام: 84].
موسى عليه السلام
هو أحد الأنبياء في قصة بني إسرائيل، وقد أُرسل من الله تعالى إلى فرعون وقومه ليدعوهم إلى التوحيد وينقذ بني إسرائيل من ظلم فرعون وأتباعه، الذين كانوا يقتلون الأطفال الذكور ويستعبدون النساء.تميزت رسالته بالمعجزات، فكان يملك القدرة على تحويل عصاه إلى حية تسعى وإخراج يده بيضاء من جيبه. على الرغم من ذلك، فرعون رفض الإيمان به واتهمه بالسحر. في لقاء علني مع السحرة، أظهروا قدراتهم ولكن الله نصر موسى، حيث أسلم السحرة وسجدوا لله، ما أثار غضب فرعون الذي أمر بعذابهم.
بعد ذلك، تلقى موسى معلومات بأن فرعون يخطط لقتله، فأمره الله بمغادرة البلاد مع أتباعه. تبعهم فرعون حتى وصلوا إلى البحر، لكن الله أنقذهم وأغرق فرعون وجنوده.
سورة القصص تروي أحداث حياة موسى بأكملها، من ولادته وما فعلته أمه بعد ولادته، وصولًا إلى مرحلة بلوغه وهجرته إلى مدين، والتشريف الذي وُهِب له من الله وهو في طريقه إلى مصر، ودعوته لفرعون وقومه للتوحيد والعدل.
أهم فضائل سيدنا موسي عليه السلام:
1. اصطفاه الله تعالى وفضّله بتكليمه، حيث ورد في القرآن الكريم أن الله تحدث موسى مباشرة. وقال الله تعالى: “وَكَلَّمَ اللَّـهُ مُوسَى تَكْلِيمًا”، وأيضًا: “وَلَمّا جاءَ موسى لِميقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ”، وفي قوله: “قالَ يا موسى إِنِّي اصطَفَيتُكَ عَلَى النّاسِ بِرِسالاتي وَبِكَلامي فَخُذ ما آتَيتُكَ وَكُن مِنَ الشّاكِرينَ”.
2. أيد الله موسى ومنحه تسع آيات بينات يمكنه من خلالها إقناع قومه برسالته. وقال الله تعالى: “وَلَقَد آتَينا موسى تِسعَ آياتٍ بَيِّناتٍ”.
عيسى عليه السلام
ولادة النبي عيسى عليه السلام كانت معجزة بحد ذاتها، إذ وُلد بدون أب، وتمّت بشرى ولادته ونبوته من قِبَل الملائكة لأمه العذراء مريم. جاء جبريل عليه السلام ونفخ في جيب درعها فحملت به، وبعد الولادة، أمر الله مريم ألا تتحدث مع أحد، فعادت إلى قومها وهي تحمل الطفل. لما رأوها به استغربوا وانكروا الأمر، فلم ترد عليهم، بل أشارت إلى الطفل وأوصتهم بالتحدث معه. أجابهم عيسى -عليه السلام- قائلاً: (إنّي عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا – وجعلني مباركاً أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا – وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً – والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً) – سورة مريم.
ثم بعثه الله ليدعو بني إسرائيل لتوحيد الله والعمل بما جاء في التوراة والإنجيل، وأيده بمعجزات عديدة، فعالج المرضى وأحيا الموتى بإذن الله. وعلى الرغم من ذلك، استمروا في الكفر، فآمن به حواريوه، وكان عددهم اثنا عشر رجلاً.
في تلك الأثناء، خطط اليهود لقتله بتحريضهم الرومان عليه. وبالفعل، تم القبض عليه وصلبه حتى الموت، لكن الله أنقذه وألقى شبهه على رجل آخر كان منافقاً، وصلبوه بدلاً منه. ثم رفع الله عيسى إليه ونجاه من القتل، قال تعالى: (يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي) سورة آل عمران
أهم فضائل سيدنا عيسي عليه السلام:
1- ولادته من غير أب، ويُشار إلى ذلك في القرآن الكريم حيث أن الله تعالى أنعم على مريم بولادته من دون زواج، فقال تعالى-: (وَاذكُر فِي الكِتابِ مَريَمَ إِذِ انتَبَذَت مِن أَهلِها مَكانًا شَرقِيًّا* فَاتَّخَذَت مِن دونِهِم حِجابًا فَأَرسَلنا إِلَيها روحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَرًا سَوِيًّا* قالَت إِنّي أَعوذُ بِالرَّحمـنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا* قالَ إِنَّما أَنا رَسولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا* قالَت أَنّى يَكونُ لي غُلامٌ وَلَم يَمسَسني بَشَرٌ وَلَم أَكُ بَغِيًّا* قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجعَلَهُ آيَةً لِلنّاسِ وَرَحمَةً مِنّا وَكانَ أَمرًا مَقضِيًّا* فَحَمَلَتهُ فَانتَبَذَت بِهِ مَكانًا قَصِيًّا).
2- اصطفاه الله وجعله رسوله وكلمته وروح منه، كما جاء ذكره في القرآن الكريم. قال تعالى-: (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّـهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ)
3- أيده الله بالعديد من الآيات والمعجزات، منها إحياء الموتى، وعلاج الأمراض، وتكوين الطير من الطين بإذن الله، وغيرها. حيث قال تعالى-: (إِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ)
4- تكلمه مع الناس وهو رضيع، حيث أن الله تعالى أعطاه هذه القدرة كمعجزة لبيان قدرته. قال الله -تعالى-: (إِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ)
5- سيعود عيسى في آخر الزمان كحاكم مقسط، وهو أمر مذكور في الأحاديث النبوية. حيث قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا)
6- رفع الله عيسى إلى السماء، ولم يُقتل كما ادعى اليهود، بل نجاه الله ورفعه إليه. حيث قال تعالى-: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّـهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا* بَل رَّفَعَهُ اللَّـهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)
محمد صلّى الله عليه وسلّم
محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وذلك بناءً على قول الله تعالى: “مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـكِن رَّسُولَ اللَّـهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ”، إنسانًا شرّف الله به الإنسانية، وبشرًا أكرم الله به البشرية. لو تمثل العدل في كيان، لتمثل في كيانه، ولو صور الطهر في روح، لكانت روحه، ولو رسمت الفضيلة في ذات، لكانت ذاته.
وُلد في مكة المكرمة. بعثه الله تعالى إلى الناس كافةً ليخرجهم من الظلمات إلى النور. دعا الناس في مكة إلى توحيد الله تعالى لمدة ثلاثة عشر عاماً، وآمن معه قلّةٌ من المستضعفين، ولكنهم تعرضوا للعذاب في سبيل الله وأذاهم المشركون بشكل شديد. بعد ذلك، أمره الله تعالى بالهجرة إلى المدينة المنورة، حيث خرجوا جماعاتٍ متفرقةً من مكة، وبقي فيها رسول الله وأبو بكر الصديق رضي الله عنه. في تلك الأثناء، اجتمع زعماء قريش وقرروا قتل النبي، فأمره الله بالخروج، فهاجر إلى المدينة مع أبي بكر. في المدينة، تحقق النصر للمسلمين وتمتد قوتهم، وانتشرت دعوة الإسلام حتى فُتحت مكة المكرمة، ودخل الناس في دين الله بأعداد كبيرة.
محمد صلي الله عليه وسلم هو بشر، يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، ولكن نور النبوة بين جنبيه، وسراج الرسالة يجري بين يديه، وتاج العصمة على رأسه. كلامه صدق، وفعله حق، ومنهجه قويم، وصراطه مستقيم، وخلقه عظيم، وجنابه كريم. يدور الحق معه حيثما دار، وتسير البركة معه حيثما سار، يسبقه القبول إذا توجه، وتنزل معه الرحمة إذا نزل، ويقيم معه الجود إذا أقام، ويرتحل معه البشر إذا ارتحل.
عاش بين أصحابه فأخرج منهم الخليفة الراشد، والإمام العادل، والعالم الرباني، والمفسر الحبر، والمفتي الجهبذ، والخطيب المصقع، والقائد المقدام، والزاهد الورع. كل صحابي أخذ من عظمته جانبًا واحدًا فصاروا عظماء التاريخ ونجوم الدهر. تشرق شمسه في قلوب الناس برحمته، وتتفتح أزهار الحب فيها بلطفه، وتتشابك أيديهم بحكمته، ويُزاح عنهم إصر الجهل بعلمه، ويُضاف إليهم بسمو عرش العدل والحكمة.
إختص الله تعالى رسوله، محمد صلى الله عليه وسلم، وميزه عن سائر الأنبياء بالعديد من الخصائص والفضائل، منها:
1- أخذ الله -تعالى- عهداً وميثاقاً بالإيمان برسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- واتباعه في زمن أي من الأنبياء السابقين، فقال الله -تعالى-: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ)
2- غفر الله -تعالى- لرسوله ما تقدم وما تأخر من ذنبه، قال الله -تعالى-: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّـهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ)
3- جعل الله -تعالى- رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- أحق البشر بالنصرة والولاية، فقال الله -تعالى-: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّـهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)
4- جعل الصلاة عليه تصله وتبلغه، وتُعرض عليه، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ مِنْ أفضلِ أيامِكم يومَ الجُمُعةِ)
5- حفظ الله -تعالى- القرآن الكريم كمعجزة إلى يوم الدين، قال الله -تعالى-: (إِنّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ)
6- وضع روضة من رياض الجنة بين بيت رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- ومنبره، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ما بيْنَ بَيْتي ومِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِن رِياضِ الجَنَّةِ)
7- إمامة أنبيائه -عليهم السلام- في بيت المقدس، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (وقدْ رَأَيْتُنِي في جَماعَةٍ مِنَ الأنْبِياءِ)
8- رسالته شاملة للإنس والجن، قال الله -تعالى-: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا)
9- لم يُقسم الله -تعالى- بحياة أحدٍ من البشر سوى رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، قال الله -تعالى-: (لَعَمرُكَ إِنَّهُم لَفي سَكرَتِهِم يَعمَهونَ)
10- لم يُخاطب الله -تعالى- أحداً من أنبيائه -عليهم السلام- بصفة النبوة والرسالة سوى رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ)، وقال -تعالى-: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسبُكَ اللَّـهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤمِنينَ)
11- أعطاه جوامع الكلم، ونصره بالرعب، وأحل له الغنائم، فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (فُضِّلْتُ علَى الأنْبِياءِ بسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوامِعَ الكَلِمِ، ونُصِرْتُ بالرُّعْبِ، وأُحِلَّتْ لِيَ الغَنائِمُ، وجُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ طَهُورًا ومَسْجِدًا)
12- أذن الله -تعالى- له ببيان صفة الدجال لأمته، عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: (قَامَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في النَّاسِ فأثْنَى علَى اللَّهِ بما هو أَهْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقالَ: إنِّي لَأُنْذِرُكُمُوهُ، وما مِن نَبِيٍّ إلَّا أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، لقَدْ أَنْذَرَ نُوحٌ قَوْمَهُ، ولَكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ فيه قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ: تَعْلَمُونَ أنَّهُ أَعْوَرُ، وأنَّ اللَّهَ ليسَ بأَعْوَرَ)
13- أعطاه المفصل من السور، كما جاء في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أُعطِيتُ مكانَ التَّوراةِ السَّبعَ الطِّوالَ، وأُعطِيتُ مكانَ الزَّبورِ المئين، وأُعطِيتُ مكانَ الإنجيلِ المثانيَ، وفُضِّلتُ بالمُفصَّلِ).
14- آتاه سورة الفاتحة وخواتيم سورة البقرة، عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- قال: (بيْنَما جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، سَمِعَ نَقِيضًا مِن فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقالَ: هذا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ اليومَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إلَّا اليَومَ، فَنَزَلَ منه مَلَكٌ، فَقالَ: هذا مَلَكٌ نَزَلَ إلى الأرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إلَّا اليَومَ، فَسَلَّمَ، وَقالَ: أَبْشِرْ بنُورَيْنِ أُوتِيتَهُما لَمْ يُؤْتَهُما نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ البَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بحَرْفٍ منهما إلَّا أُعْطِيتَهُ)
وختم الله -تعالى- النبوة برسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، فكان هو خاتم النبيين والمرسلين.