من هو أول من سجد لإبليس وقتل ابية؟ وكيف عاقبة الله ببعوضة؟ قصة النمرود الملك الجبار
قصة النمرود
تروي العديد من القصص التاريخية والأدبية قصصًا عن ملوك طغاة وظالمين، الذين سعوا إلى السلطة والهيمنة بكل الوسائل الممكنة، دون مراعاة للعدالة أو حقوق الناس. يتصف هؤلاء الملوك بالاستبداد والقسوة، حيث يمارسون الظلم والفساد بحق شعوبهم، متجاوزين الحدود في سعيهم نحو تحقيق مصالحهم الشخصية. وفي هذه المقالة سنتناول أحدي قصص هؤلاء الجبابرة وهي “قصة النمرود”.
من هو النمرود
يُروى أن اسمه كان النمرود بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح. ولد 2053 قبل الميلاد، وكان حاكم بابل بالعراق. كانت شخصيته المتعجرفة والطاغية تجسيدًا لأول من ادّعى السلطة المطلقة على الأرض. وقد بنى لنفسه معبدًا في مدينة بابل، ولكن إهلاكه بيد الله تعالى كانت درسًا للبشرية عن عواقب الطغيان والتجبر.
النمرود، كانت شخصيته بارزة بين الجبابرة القدماء، إذ كان يدّعي الإلهية ويتجاوز سلطة الله -تعالى-، مُفترضًا أنه الإله الحاكم بدون منافس. كان يفترض بنفسه قدرة على إحياء الموتى وإنهاء حياتهم، ويتجاوز بتصرفاته العنفية حدود الإنسانية، حيث كان يصدر أوامر بالقتل بلا رحمة.
وفي كتاب “بداية ونهاية” لابن كثير، ورد أن النمرود كان أول من وضع التاج على رأسه وتجبر في الأرض، مُدّعيًا الربوبية وتجاوزًا لحدود البشرية. استمر في ملكه لمدة أربعمائة سنة، وخلال هذه الفترة، ارتكب الطغيان والتجبر.
وفي ادعاءاته المغرورة، كان يُجبر الناس على اعترافهم بتفوقه وتعظيمه، فقد كان يمتنع عن بيع الطعام لهم إلا بعد أن يعترفوا بأنهم مدينون له بالعبادة كربهم.
كيف سجد النمرود لإبليس وتعلم منه السحر؟
في يومٍ من الأيام، وأثناء استحمام النمرود في القصر وحوله مجموعة من النساء، دخل إليه رجلٌ أحدَب الوجه، مرتديًا ثيابًا سوداء، ما أثار استغراب النمرود كيف دخل هذا الرجل إلى الحمام في القصر. بسخرية، سأل النمرود: “أأنت الذي سيحكم الأرض ومن عليها؟”
غضب النمرود بشدة وأمر جنوده بقتل الرجل الأحدب، وكذلك قتل جميع الجواري اللواتي كانوا حوله بسبب الكلام الذي سمعوه من الرجل الأحدب. وعندما صعد النمرود إلى غرفته، وجد الرجل نفسه الذي قتل، مما أثار تعجب النمرود الذي سأله: “من أنت؟”
أجاب الرجل: “أنا أمير النور، يوم خلق النور. إذا أردت أن تحكم الأرض وما عليها، فعليك أن تراني على هيئتي الحقيقية.”
فتجسد إبليس بصورته الحقيقية، حيث كانت شعره يكسو جسده، وكان عظيم البنية. وكان هذا الرجل هو إبليس، الذي أمر النمرود أن يسجد له مقابل منحه القوة. فقام النمرود بتعلم السحر من إبليس، وكيفية سحر الناس والسيطرة على الأرض. وبعد أن تعلم النمرود فنون السحر، أمره إبليس بقتل أبيه ليستولي على الحكم، وبالفعل قام النمرود بالتخلص من والده، ليصبح ملكًا جبروتيًا مستبدًا وساحرًا قويًا. وبذلك كان النمرود أول من سجد لإبليس وعصي الله سبحانه وتعالي.
حلم النمرود ونبوءة ولادة إبراهيم عليه السلام
في كتاب “الجامع لأحكام القرآن”، يروي القرطبي أن النمرود رأى حلمًا يظهر فيه كوكب في السماء، وعندما طلع ذلك الكوكب، اختفى ضوء الشمس تمامًا، مما دفع الكهنة والمنجمون إلى تأويل الحلم بأنه مؤشر على ولادة طفل سيكون سببًا في هلاك النمرود. فأمر النمرود بذبح كل الأطفال الذكور الذين يولدون في تلك الناحية في ذلك العام، ولكن ولد إبراهيم في تلك السنة، وأخفته والدته حتى نشأ وكبر، ثم تحدى عبادة النمرود والأصنام بعد ذلك.
قصة النمرود في القرآن
قال الله تعالى في سورة البقرة: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّـهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّـهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
قصة النمرود مع سيدنا ابراهيم
في عهد سيدنا إبراهيم عليه السلام، كان النمرود ملكًا متجبِّرًا ومفسدًا، حيث أفسد الكثير من الأمور. وصل فساده إلى حد ادعائه الألوهية، فحينما جاءه إبراهيم عليه السلام ليدعوه إلى عبادة الله وترك التجبر والمعاندة، رفض النمرود هذه الدعوة بعناده المعهود، وبدأ يحاجج إبراهيم عليه السلام.
مناظرة بين ابراهيم عليه السلام والنمرود
في تلك الأيام، كان النمرود يتصور نفسه ملكًا على الأرض، حيث كان الناس يلتفون حوله ويسعون للحصول على الطعام والمعونة منه وحده، معتبرينه سلطان الأرض وما عليها. وفي إحدى الأيام، قرر إبراهيم -عليه السلام- الخروج ليحصل على الطعام كسائر الناس، وعندما وصل إلى النمرود، كان يرى الملك وهو يمر بين الناس ويسألهم: “من ربكم؟”، فكانت إجابتهم دائمًا: “أنت ربنا الأعلى”.
وعندما وصل دور إبراهيم -عليه السلام-، سأله النمرود نفس السؤال، فأجاب إبراهيم -عليه السلام- بأن ربه الوحيد هو الذي يحيي ويميت. فأعلن النمرود بغطرسته المعتادة: “أنا أحيي وأميت من أشاء”، وأمر بقتل أحد الرجلين الذين جاءوا مع إبراهيم، وأمر بإطلاق سراح الآخر.
وعندما طلب إبراهيم -عليه السلام- أن يحيي الرجل الذي قتله النمرود، فجاء النمرود بالتعنت والكبر، مصرًا على عناده، وقال لإبراهيم -عليه السلام-: “وماذا يفعل ربك؟!”
فأجاب إبراهيم -عليه السلام- بأن ربه يأتي بالشمس من المشرق، ويمكنه أن يجعلها تطلع من المغرب. ولكن النمرود عجز عن فعل أي شيء في هذا الصدد، ولم يستطع سوى أن يمنع إبراهيم -عليه السلام- من أخذ الطعام الذي جاء ليأخذه.
كيف مات النمرود
زيد بن أسلم روى أن الله تعالى بعث للنمرود ملكًا يأمره بالإيمان بالله، لكنه رفض مرات عدة. وبعد ذلك، قال الملك المرسل من الله له: “اجمع جموعك وأجمع جموعي”. فجمع النمرود جيشه وجنوده وأرسل الله عليهم ذبابًا من البعوض، حيث أعماهم عن رؤية شعاع الشمس، وسلّطها الله عليهم فأكلت لحومهم ودماءهم، وتركتهم عظامًا بادية. ودخلت ذبابة في منخر النمرود فمكثت فيه أربعمائة عام، عذبه الله بها بشدة، فكان يُضْرَبُ رأسه بالمرازب طيلة تلك المدة، حتى أهلكه الله بذلك العذاب.
الدروس المستفادة من قصة النمرود
1. الثقة بالله: يجب على الإنسان الثقة بقوة الله وتوكله عليه في جميع الأمور.
2. الالتزام بالحق: يجب على الإنسان أن يظل ملتزمًا بالحق ويبديه دائمًا، مهما كانت التحديات التي يواجهها.
3. التحلي بالصبر: الصبر على الطغاة والمتكبرين، والثبات على الحق في وجههم، هو سمة مهمة للمؤمنين.
4. النهاية المحتومة للظلمة: تظهر قصة النمرود وإبراهيم عليه السلام أن نهاية الظلمة والطغاة ستكون بصورة مخيفة وهلاكية.
5. العبرة من التاريخ: يجب على الإنسان أن يتعلم من التاريخ ومن قصص السابقين، لكي يتجنب الوقوع في الأخطاء نفسها.
خاتمة
الإنسان الطاغي والمتجبر لن يستمر في قوته وتكبره إلى الأبد، بل سيأتي يوم تنكسر فيه قوته ويظهر عجزه وضعفه. إن الصبر على هذه التجبر والطغيان يحمل أجرًا عظيمًا في الدنيا والآخرة، ويعكس الثبات على الحق والاستقامة في وجه الظلم والفساد.
ومن الضروري أيضًا أن يحرص المسلم على إعلاء كلمة الله، فهي كلمة الحق التي توضح الضلال وتهدي إلى الصراط المستقيم. بالتمسك بكلمة الله ونشرها وتعاليمها، يساهم المسلم في بناء مجتمع متوازن وعادل، ويعمل على إحقاق العدل والخير في الأرض.