خُسِف البدْرُ حين كان تماماً – عنترة بن شداد
خُسِف البدْرُ حين كان تماماً وخفى نُورُهُ فعاد ظلاَما
مقدمة عن الشاعر:
عنترة بن شداد العبسي هو أحد أشهر شعراء الجاهلية، ولد في نجد في منتصف القرن السادس الميلادي. كان والد عنترة هو شداد بن قراد العبسي، بينما كانت والدته زبيبة أمة حبشية. عانى عنترة من ظروف قاسية في طفولته بسبب كونه ابن جارية، مما جعله يعيش في وضع اجتماعي منخفض. لكن شجاعته وقوته في القتال أكسبته احترام قبيلته وأثبت نفسه كفارس لا يُقهر وشاعر بارع. قصائده تمزج بين الفروسية والغزل، وتعبر عن الشجاعة والكرامة والحب.
قصة القصيدة:
تعتبر هذه القصيدة من قصائد الرثاء التي نظمها عنترة بن شداد بعد مقتل صديقه وحليفه زهير. كان زهير يعتبر من أهم حلفاء عنترة، وشكل فقدانه صدمة كبيرة للشاعر، فعبّر عن حزنه الشديد ورغبته في الانتقام.
موضوع القصيدة:
القصيدة تتناول موضوع الرثاء والحزن على فقدان الأصدقاء، بالإضافة إلى التحريض على الانتقام. يظهر عنترة في هذه القصيدة كمحارب مخلص وصديق وفيّ، يعبر عن حزنه ببلاغة ويعد بالانتقام لصديقه المقتول.
خُسِف البدْرُ حين كان تماماً
وخفى نُورُهُ فعاد ظلاَما
ودراري النُّجوم غارتْ وغابَتْ
وضياءُ الآفاق صار قَتاما
حين قالوا زهيرُ ولى قتيلاً
خيَّم الحُزنُ عِنْدنا وأقاما
قد سقَاهُ الزَّمانُ كاسَ حِمام
وكَذاكَ الزمانُ يسْقي الحِماما
كانَ عوْني وعُدَّتي في الرَّزايا
كانَ درعي وذابلي والحساما
يا جفوني إنْ لم تجودي بدمعٍ
لجَعلْتُ الكَرى عليكِ حرَاما
قَسماً بالذي أماتَ وأحْيا
وتَوَلى الأَرواحَ والأَجساما
لا رفعتُ الحسام في الحربِ حتى
أتركَ القومَ في الفيافي عظاما
يا بني عامرٍ ستلقون برقاً
من حسامي يجري الدّماءَ سجاما
وتَضجُّ النساءُ من خيفَة ِ السَّبـ
ـي وتَبكي على الصّغار اليتامَى
تحليل القصيدة:
قصيدة “خُسِف البدْرُ حين كان تماماً” لعنترة بن شداد تعكس مشاعر عميقة من الحزن والفقد، وتعبر عن الصراع الداخلي الذي يعيشه الشاعر بعد فقدان صديقه زهير. يتناول الشاعر في هذه القصيدة مجموعة من المواضيع الأساسية التي تتمحور حول الرثاء، الشجاعة، والانتقام.
1. الرثاء والحزن:
تتجلى في القصيدة مشاعر الفقد العميق، حيث يستخدم الشاعر صوراً طبيعية للتعبير عن الحزن الذي يعيشه. يبدأ بوصف خسوف القمر وغياب النجوم كرمز لفقدان النور في حياته بعد رحيل زهير. هذا التوظيف للصور الطبيعية يضفي بعدًا شعريًا يُظهر كيف أن الفقدان يؤثر على العالم من حوله.
2. العلاقة بين الشاعر وصديقه:
يعتبر زهير رمزًا للصداقة والوفاء، وقد كان بمثابة الدرع الذي يحمي عنترة في معاركه. يُظهر الشاعر مدى اعتماده على زهير في مواجهة التحديات، مما يعكس روح الصداقة الحقيقية التي تجمعهما. الفقد هنا ليس مجرد موت شخص، بل هو فقدان للحماية والدعم.
3. شجاعة الانتقام:
يتحول الحزن في القصيدة إلى عزم على الانتقام. يعبّر عنترة عن تصميمه على الثأر لصديقه، مما يُظهر جانبًا من الشجاعة والبطولة التي يُعرف بها. يثير هذا التحول تساؤلات حول طبيعة الانتقام وما يمكن أن يفعله الإنسان في مواجهة الألم والفقدان.
4. اللغة والأسلوب:
تتميز القصيدة بلغة شعرية غنية بالتشبيهات والاستعارات، مما يجعلها تتسم بالبلاغة والجمال. توظف الألفاظ بشكل يُعبر عن المشاعر بشكل قوي ويُشرك القارئ في تجربة الحزن والفخر في آن واحد.
خلاصة:
بصفة عامة، تُعد هذه القصيدة تجسيدًا لمشاعر إنسانية عميقة تتعلق بالفقد، الصداقة، والشجاعة. تقدم صورة شاملة عن شخصية عنترة، تجمع بين القوة والضعف، وبين الفخر والحزن، مما يجعلها واحدة من أبرز قصائد الشعر الجاهلي.