زار الخيال خيال عبلة في الكرى – عنترة بن شداد
زارَ الخيالُ خيالُ عَبلَة َ في الكَرى لمتِّيم نشوانَ محلول العرى
تعريف الشاعر:
عنترة بن شداد العبسي (525 م – 608 م) هو شاعر جاهلي وفارس عربي، اشتهر بفروسيته وبطولاته في المعارك وبشعره العاطفي الذي كان غالبًا ما يتمحور حول حبه لابنة عمه “عبلة”. كان عنترة مولودًا من أب عربي هو شداد وأم حبشية تُدعى زبيبة، مما جعله يُعاني من نظرة المجتمع الجاهلي تجاه أبنائه. وقد استطاع بفضل شجاعته وشعره أن يحقق مكانة مرموقة في قومه.
قصة القصيدة:
القصيدة التي يبدأ مطلعها بـ “زارَ الخيالُ خيالُ عَبلَة َ في الكَرى” هي إحدى قصائد عنترة التي تعبر عن عشقه العميق لعبلة. في هذه الأبيات، يتحدث عنترة عن حلم زاره فيه خيال عبلة، حيث يتجلى حبه الكبير لها وتأثره العميق ببعدها عنه. يعبر عن هذا الحب بشكل شاعري من خلال الوصف الحسي للقاء الحلمي الذي تخيله، والذي كان مليئًا بالعاطفة والشوق.
موضوع القصيدة:
القصيدة تدور حول الحب والشوق والحنين، حيث يعبر عنترة عن مشاعره العميقة تجاه عبلة، واصفًا حلمًا زاره فيه طيفها أثناء نومه. يعكس هذا الحلم مدى تعلّقه بها ومدى تأثير حبها عليه، حتى في أحلامه. كما يتطرق عنترة إلى وصف جمال عبلة وافتتانه بها، واصفًا قوامها ووجهها ببراعة.
زارَ الخيالُ خيالُ عَبلَة َ في الكَرى
لمتِّيم نشوانَ محلول العرى
فنهضتُ أشكو ما لقيتُ لبعدها
فتنفَّسَتْ مِسكاً يخالطُ عَنْبَرا
فضَممتُها كيما أقبِّلَ ثغرَها
والدَّمعُ منْ جَفنيَّ قد بلَّ الثرى
وكشفتُ برقعها فأشرقَ وجهها
حتى أعادَ اللَّيلَ صُبحاً مُسفِراً
عربية ٌ يهتزُّ لين قوامها
فيخالُه العشَّاقُ رُمحاً أسمرا
محجوبة ٌ بصوارمٍ وذوابل
سمرٌ ودونَ خبائها أسدُ الشرى
يا عَبلَ إنَّ هَواكِ قد جازَ المَدى
وأنا المعنى فيكِ من دون الورى
يا عَبلَ حبُّكِ في عِظامي مَعَ دَمي
لمَّا جرت روحي بجسمي قدْ جرَى
وَلقد عَلِقْتُ بذَيلِ مَنْ فَخُرتْ به
عبسٌ وسيفُ أبيهِ أفنى حميرا
يا شأْسُ جرْني منْ غرامٍ قاتلٍ
أبداً أزيدُ به غراماً مسعرا
يا ساشُ لولا أنْ سلطانَ الهوى
ماضي العزيمة ِ ما تملكَ عنترا
تحليل القصيدة:
في هذه القصيدة، يتجلى بوضوح عمق حب عنترة لعبلة، حيث يتداخل الحلم مع الواقع ليعكس مدى سيطرة هذا الحب على وجدانه. يبدأ عنترة بوصف زيارة خيال عبلة له في المنام، وكيف أثر ذلك عليه. ثم ينتقل لوصف جمالها باستخدام صور شعرية بديعة، مثل تشبيه وجهها الذي أشرق بعد كشف البرقع بتحويل الليل إلى صباح مشرق.
عنترة يستعمل أيضًا الصور البلاغية، مثل تجسيد عبلة وهي مختبئة وراء “صوارم وذوابل”، مشيرًا بذلك إلى مكانتها العالية والحماية التي تتمتع بها. يظهر في الأبيات كذلك استخدام التشبيهات الحسية التي تعكس شوقه العميق ورغبته في لقاء عبلة.
خلال الأبيات الأخيرة، يتوجه عنترة إلى عبلة مباشرة، يعبر عن مدى استحواذ حبها عليه، حتى أن هذا الحب أصبح جزءًا من كيانه. كما يُظهر فخره بانتمائه لقبيلة عبس وبكونه فارسًا من الفرسان المعروفين، لكنه يعترف بأن حب عبلة قد فاق الحدود وسيطر عليه تمامًا.
القصيدة بذلك تعكس مزيجًا من الفخر، الحب، والحنين، مما يجعلها إحدى القصائد المميزة التي تعبر عن شخصية عنترة الشاعر والفارس.