كتمتك ليلاً بالجمومين ساهرا – النابغة الذبياني
كَتَمتُكَ لَيلاً بِالجَمومَينِ ساهِرا وَهَمَّينِ هَمّاً مُستَكِنّاً وَظاهِرا
تعريف الشاعر:
النابغة الذبياني هو أحد أعظم شعراء العصر الجاهلي، وُلِد في قبيلة ذُبْيَان، وعُرِف بلقب “النابغة” لتميزه في الشعر وقدرته على نظم القصائد الجميلة. وُلِد في العصر الجاهلي وعاش في فترة الخلافة الإسلامية. اشتهر بشعره الفصيح الذي يتناول موضوعات الفخر، المدح، الغزل، والحكمة. يعدُّ من أبرز الشعراء الذين أبدعوا في فن المدح والشعر الفلسفي.
قصة القصيدة:
قصيدة “كتمتك ليلاً بالجمومين ساهرا” تتحدث عن مشاعر الفراق والحزن والأسى، وتعبّر عن استياء الشاعر من الموت وفراق الأحباب، مستعرضاً تجاربه في الحياة وصراعاته. كما تتطرق إلى مشاعر الفخر والاعتزاز بالشخصيات القوية والمواقف الشجاعة، وتعبّر عن الإخلاص والولاء للناس الذين يحترمهم الشاعر ويعتز بهم.
كَتَمتُكَ لَيلاً بِالجَمومَينِ ساهِرا
وَهَمَّينِ هَمّاً مُستَكِنّاً وَظاهِرا
أَحاديثَ نَفسٍ تَشتَكي ما يَريبُها
وَوِردَ هُمومٍ لَم يَجِدنَ مَصادِرا
تُكَلِّفُني أَن يَفعَلَ الدَهرُ هَمَّها
وَهَل وَجَدَت قَبلي عَلى الدَهرِ قادِرا
أَلَم تَرَ خَيرَ الناسِ أَصبَحَ نَعشُهُ
عَلى فِتيَةٍ قَد جاوَزَ الحَيَّ سائِرا
وَنَحنُ لَدَيهِ نَسأَلُ اللَهَ خُلدَهُ
يَرُدَّ لَنا مُلكاً وَلِلأَرضِ عامِرا
وَنَحنُ نُرَجّي الخُلدَ إِن فازَ قِدحُنا
وَنَرهَبُ قِدحَ المَوتِ إِن جاءَ قامِرا
لَكَ الخَيرُ إِن وارَت بِكَ الأَرضُ واحِداً
وَأَصبَحَ جَدُّ الناسِ يَظلَعُ عاثِرا
وَرُدَّت مَطايا الراغِبينَ وَعُرِّيَت
جِيادُكَ لا يُحفي لَها الدَهرُ حافِرا
رَأَيتُكَ تَرعاني بِعَينٍ بَصيرَةٍ
وَتَبعَثُ حُرّاساً عَلَيَّ وَناظِرا
وَذَلِكَ مِن قَولٍ أَتاكَ أَقولُهُ
وَمِن دَسِّ أَعدائي إِلَيكَ المَآبِرا
فَآلَيتُ لا آتيكَ إِن جِئتُ مُجرِماً
وَلا أَبتَغي جاراً سِواكَ مُجاوِرا
فَأَهلي فِداءٌ لِاِمرِئٍ إِن أَتَيتُهُ
تَقَبَّلَ مَعروفي وَسَدَّ المَفاقِرا
سَأَكعَمُ كَلبي أَن يَريبَكَ نَبحُهُ
وَإِن كُنتُ أَرعى مُسحَلانَ فَحامِرا
وَحَلَّت بُيوتي في يَفاعٍ مُمَنَّعٍ
تَخالُ بِهِ راعي الحَمولَةِ طائِرا
تَزِلَّ الوُعولُ العُصمُ عَن قُذُفاتِهِ
وَتُضحي ذُراهُ بِالسَحابِ كَوافِرا
حِذاراً عَلى أَن لا تُنالَ مَقادَتي
وَلا نِسوَتي حَتّى يَمُتنَ حَرائِرا
أَقولُ وَإِن شَطَّت بِيَ الدارُ عَنكُمُ
إِذا ما لَقَينا مِن مَعَدٍّ مُسافِرا
أَلِكني إِلى النُعمانِ حَيثُ لَقيتَهُ
فَأَهدى لَهُ اللَهُ الغُيوثَ البَواكِرا
وَصَبَّحَهُ فُلجٌ وَلا زالَ كَعبُهُ
عَلى كُلِّ مَن عادى مِنَ الناسِ ظاهِرا
وَرَبَّ عَلَيهِ اللَهُ أَحسَنَ صُنعِهِ
وَكانَ لَهُ عَلى البَرِيَّةِ ناصِرا
فَأَلفَيتُهُ يَوماً يُبيدُ عَدوَّهُ
وَبَحرَ عَطاءٍ يَستَخِفَّ المَعابِرا
تحليل القصيدة:
- المشاعر والأحاسيس:
- تتضمن القصيدة مشاعر الحزن والأسى الناتجة عن فقدان الأحبة والمواقف الصعبة. يبدأ الشاعر بالتعبير عن همومه واشتياقه، مشيراً إلى الألم الذي يشعر به نتيجة الفراق.
- استخدامه للتكرار في بعض الأبيات يعكس عمق مشاعره ويزيد من تأثير الكلمات.
- الأسلوب البلاغي:
- يعتمد الشاعر على الأسلوب الاستفهامي ليعبر عن مشاعره، مثل استفساره عن قدرة الزمن على تغيير الأمور.
- يستخدم استعارات قوية للتعبير عن الفخر والاعتزاز، مثل الإشارة إلى مكانة الأفراد في المجتمع.
- الموضوعات:
- الفخر والاعتزاز: يظهر الشاعر فخره بعائلته وقبيلته، ويشدد على أهمية الوحدة والقوة.
- التعبير عن الخسارة: يصف فقدان الأصدقاء والأحبة وأثره العميق على النفس.
- الوطن: يتطرق إلى أهمية الوطن والأرض، حيث يذكر الأمل في العودة إلى الأوضاع الطبيعية.
- البناء الشعري:
- تتكون القصيدة من عدة مقاطع، كل منها يتناول جانباً مختلفاً من المشاعر، مما يجعلها غنية بالمحتوى.
الخاتمة:
تمثل هذه القصيدة جزءاً مهماً من التراث الشعري العربي، حيث تجمع بين الأسلوب البلاغي المتقن والعمق العاطفي. تعكس تجربة الشاعر الذاتية وتوضح القيم الجاهلية مثل الفخر والإخلاص، مما يجعلها دراسات مستمرة في الأدب العربي.