غشيت منازلاً بعريتنات – النابغة الذُّبياني

النابغة الذبياني:

النابغة الذبياني، واسمه زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني، هو شاعر جاهلي من قبيلة غطفان. يُعد من أبرز شعراء العصر الجاهلي وصُنّف في طبقة المتقدمين من الشعراء العرب، إلى جانب امرؤ القيس وزهير بن أبي سلمى والأعشى. اكتسب لقبه “النابغة” لأنه كان نابغًا في الشعر، حيث يقال إنه بدأ في كتابة الشعر بعد سن متقدمة.

قصة القصيدة:

قيلت هذه القصيدة “غشيت منازلاً بعريتنات” في سياق الفخر بقبيلته بني ذبيان وعلاقتهم بالأحداث التاريخية والمعارك التي خاضوها. النابغة الذُّبياني يُظهر من خلال القصيدة قوة وشجاعة قبيلته في مواجهة الأعداء، ويُبرز وفاءهم وولاءهم لأصدقائهم وحلفائهم. كذلك يتطرق إلى ذكر بعض المعارك التي خاضوها والانتصارات التي حققوها.

غشيت منازلاً بعريتنات – النابغة الذُّبياني

غَشيتُ مَنازِلاً بِعُرَيتِناتٍ
فَأَعلى الجِزعِ لِلحَيّ المُبِنِّ
تَعاوَرَهُنَّ صَرفُ الدَهرِ حَتّى
عَفونَ وَكُلُّ مُنهَمِرٍ مُرِنِّ
وَقَفتُ بِها القَلوصَ عَلى اِكتِئابٍ
وَذاكَ تَفارُطُ الشَوقِ المُعَنّي
أُسائِلُها وَقَد سَفَحَت دُموعي
كَأَنَّ مَفيضَهُنَّ غُروبُ شَنِّ
بُكاءَ حَمامَةٍ تَدعو هَديلاً
مُفَجَّعَةٍ عَلى فَنَنٍ تُغَنّي
أَلِكني يا عُيَينَ إِلَيكَ قَولاً
سَأُهديهِ إِلَيكَ إِلَيكَ عَنّي
قَوافي كَالسِلامِ إِذا اِستَمَرَّت
فَلَيسَ يَرُدُّ مَذهَبَها التَظَنّي
بِهِنَّ أُدينُ مَن يَبغي أَذاتي
مُدايَنَةَ المُدايِنِ فَليَدَنّي
أَتَخذُلُ ناصِري وَتُعِزَّ عَبساً
أَيَربوعَ بنَ غَيظٍ لِلمِعَنِّ
كَأَنَّكَ مِن جِمالِ بَني أُقَيشٍ
يُقَعقَعُ خَلفَ رِجلَيهِ بِشَنِّ
تَكونُ نَعامَةً طَوراً وَطَوراً
هَوِيَّ الريحِ تَنسُجُ كُلَّ فَنِّ
تَمَنَّ بُعادَهُم وَاِستَبقِ مِنهُم
فَإِنَّكَ سَوفَ تُترَكُ وَالتَمَنّي
لَدى جَرعاءَ لَيسَ بِها أَنيسٌ
وَلَيسَ بِها الدَليلُ بِمُطمَئِنِّ
إِذا حاوَلتَ في أَسَدٍ فُجوراً
فَإِنّي لَستُ مِنكَ وَلَستَ مِنّي
فَهُم دِرعي الَّتي اِستَلأَمتُ فيها
إِلى يَومِ النِسارِ وَهُم مِجَنّي
وَهُم وَرَدوا الجِفارَ عَلى تَميمٍ
وَهُم أَصحابُ يَومِ عُكاظَ إِنّي
شَهِدتُ لَهُم مَواطِنَ صادِقاتٍ
أَتَينَهُمُ بِوُدَّ الصَدرِ مِنّي
وَهُم ساروا لِحُجرٍ في خَميسٍ
وَكانوا يَومَ ذَلِكَ عِندَ ظَنّي
وَهُم زَحَفوا لِغَسّانٍ بِزَحفٍ
رَحيبِ السَربِ أَرعَنَ مُرجِحَنِّ
بِكُلِّ مُجَرَّبٍ كَاللَيثِ يَسمو
عَلى أَوصالِ ذَيّالٍ رِفَنِّ
وَضُمرٍ كَالقِداحِ مُسَوَّماتٍ
عَلَيها مَعشَرٌ أَشباهُ جِنِّ
غَداةَ تَعاوَرَتهُ ثَمَّ بيضٌ
دُفِعنَ إِلَيهِ في الرَهَجِ المُكِنِّ
وَلَو أَنّي أَطَعتُكَ في أُمورٍ
قَرَعتُ نَدامَةً مِن ذاكَ سِنّي

تحليل القصيدة:

القصيدة تُعد من قصائد الفخر والحماسة التي تهدف إلى تمجيد القبيلة وذكر إنجازاتها وبطولاتها. النابغة يبدأ بوصف الأطلال والديار الخالية، وهو من الأساليب التقليدية في الشعر الجاهلي، حيث يُظهر الحزن والأسى على الأيام الماضية.

1. الديار والأطلال: الشاعر يبدأ بوصف المنازل الخالية التي مرت عليها الأيام حتى عفت. هذا الوصف يُستخدم كرمز لرحيل الزمن وتغير الأحوال.
2. الشوق والحنين: يُظهر الشاعر مشاعره الحزينة والمكتئبة عندما يقف أمام هذه الأطلال، ويعبر عن شوقه وتفريطه في الأمل.
3. الفخر بالقبيلة: ينتقل النابغة بعد ذلك إلى الفخر بقبيلته ويصفها بأجمل الصفات. يُظهر وفاء القبيلة وشجاعتها في المعارك ويُبرز قوتهم وتفانيهم في الدفاع عن حلفائهم.
4. الوفاء والولاء: القصيدة تُبرز معاني الوفاء والولاء بين أفراد القبيلة وحلفائهم. النابغة يشير إلى أن القبيلة لا تخذل من يناصرهم، بل يعززون من يدعمهم ويقفون إلى جانبه في الأزمات.
5. الوصف التفصيلي للمعارك: يُفصّل الشاعر في وصف المعارك التي خاضتها القبيلة، ويُظهر بسالتهم وشجاعتهم في مواجهة الأعداء. هذا الوصف التفصيلي يُضفي على القصيدة طابع الحماسة والقوة.
6. التجربة الشخصية: الشاعر يعبر عن تجربته الشخصية ورأيه في الأمور، ويشير إلى أنه لو أطاع الآخرين في بعض الأمور لندم على ذلك. هذا يُظهر استقلالية الرأي والتفكير الحر لدى الشاعر.

الخاتمة

القصيدة تعتبر من أهم قصائد الفخر في الشعر الجاهلي، وتُظهر قوة اللغة العربية في التعبير عن المشاعر المختلفة، سواء كانت حزناً على الأطلال والديار الخالية أو فخراً واعتزازاً بالقبيلة وإنجازاتها. النابغة الذبياني يُعد من أبرز شعراء العصر الجاهلي، وقصائده تظل شاهداً على براعة الشعراء العرب في ذلك الزمن.