إن الحوادث قد يجيء بها الغد – عبيد بن الأبرص
إِنَّ الحَوادِثَ قَد يَجيءُ بِها الغَدُ وَالصُبحُ وَالإِمساءُ مِنها مَوعِدُ
تعريف الشاعر:
عبيد بن الأبرص هو شاعر جاهلي من بني أسد، اشتهر بالحكمة والبلاغة في شعره، ويُعَدّ واحدًا من أشهر شعراء الجاهلية. عاش في القرن السادس الميلادي، وكان معاصرًا لعدد من الشعراء المعروفين مثل النابغة الذبياني ولبيد بن ربيعة. كان عبيد بن الأبرص ذو مكانة عالية في قومه، لكنه قُتل على يد الملك النعمان بن المنذر، ويروى أن ذلك كان بسبب قصيدة هجاه فيها.
قصة القصيدة:
قصيدة “إن الحوادث قد يجيء بها الغد” من شعر الحكمة، حيث يعبر عبيد بن الأبرص عن تأملاته حول الحياة والموت وأقدار الناس. يستعرض فيها عدم قدرة الإنسان على التنبؤ بما قد يحدث في المستقبل، وأن الحوادث تأتي بغتة دون أن يكون للإنسان علم بها. كما يذكر أن الحكمة والصواب لا يُلام عليهما الإنسان، وإنما يُلام على الغواية والضلال.
إِنَّ الحَوادِثَ قَد يَجيءُ بِها الغَدُ
وَالصُبحُ وَالإِمساءُ مِنها مَوعِدُ
وَالناسُ يَلحَونَ الأَميرَ إِذا غَوى
خَطبَ الصَوابِ وَلا يُلامُ المُرشَدُ
وَالمَرءُ مِن رَيبِ المَنونِ بِغِرَّةٍ
وَعَدا العَداءُ وَلا تُوَدَّعُ مَهدَدُ
أُدمانَةٌ تَرِدُ البَريرَ بِغيلِها
تَقرو مَسارِبَ أَيكَةٍ وَتَرَدَّدُ
وَخَلا عَلَيها ما يُفَزِّعُ وِردَها
إِلّا الحَمامُ دَعا بِهِ وَالهُدهُدُ
فَدَعا هَديلاً ساقُ حُرٍّ ضَحوَةً
فَدَنا الهَديلُ لَهُ يَصُبُّ وَيَصعَدُ
زَعَمَ الأَحِبَّةُ أَنَّ رِحلَتَنا غَداً
وَبِذاكَ خَبَّرَنا الغُدافُ الأَسوَدُ
فَاِقطَع لُبانَتَهُم بِذاتِ بُرايَةٍ
أُجُدٍ إِذا وَنَتِ الرِكابُ تَزَيَّدُ
وَكَأَنَّ أَقتادي تَضَمَّنَ نِسعَها
مِن وَحشِ أورالٍ هَبيطٌ مُفرَدُ
باتَت عَلَيهِ لَيلَةٌ رَجَبِيَّةٌ
نَصباً تَسُحُّ الماءَ أَو هِيَ أَسوَدُ
يَنفي بِأَطرافِ الأَلاءِ شَفيفَها
فَغَدا وَكُلُّ خَصيلِ عُضوٍ يُرعَدُ
كَالكَوكَبِ الدِرّيءِ يَشرَقُ مَتنُهُ
خَرِصاً خَميصاً صُلبُهُ يَتَأَوَّدُ
في رَوضَةٍ ثَلَجَ الرَبيعُ قَرارَها
مَولِيَّةٍ لَم يَستَطِعها الرُوَّدُ
وَبَدا لِكَوكَبِها صَعيدٌ مِثلَ ما
ريحَ العَبيرُ عَلى المَلابِ الأَصفَدُ
وَإِذا سَرَيتَ سَرَت أَموناً رَسلَةً
وَإِذا تُكَلِّفُها الهَواجِرَ تُصخِدُ
وَإِلى شَراحيلَ الهُمامِ بِنَصرِهِ
نَصرَ الأَشاءَ سَرِيُّهُ مُستَرغَدُ
مَن سَيبُهُ سَحُّ الفُراتِ وَحَملُهُ
يَزِنُ الجِبالَ وَنَيلُهُ لا يَنفَدُ
تحليل القصيدة:
- التأمل في الحوادث والقدر:
- يستهل الشاعر قصيدته بتأكيد أن الحوادث تأتي بغتة ودون سابق إنذار، وأن الإنسان لا يمكنه التنبؤ بما سيأتي به الغد. هذا يعكس رؤية الشاعر لفلسفة الحياة والقدر وكيفية التعامل معها.
- الحاكم والحكمة:
- يتطرق الشاعر إلى موضوع الحاكم وكيف ينبغي عليه أن يتحلى بالحكمة، مشيرًا إلى أن الناس يلومون الحاكم إذا أخطأ، ولكنهم لا يلومون الحكيم الذي يرشدهم إلى الصواب. هذا يعكس تصورًا جاهليًا عن أهمية الحكمة والقيادة الرشيدة.
- الوصف الطبيعي:
- يستخدم الشاعر وصفًا للطبيعة والحيوانات لإضفاء جمالية على القصيدة. يصف المشاهد الطبيعية بدقة، ويستخدمها كرموز تشير إلى حالة الإنسان وتقلبات الحياة.
- الفروسية والشجاعة:
- يظهر في القصيدة أيضًا إشارات إلى الفروسية والشجاعة، من خلال وصف الخيول والسباقات، مما يعكس ثقافة البدو في ذلك الوقت واعتزازهم بالخيول كمصدر للقوة والكرامة.
الختام:
القصيدة تعبر عن رؤية عبيد بن الأبرص للحياة والموت، حيث يتأمل في مفاجآت القدر ويحث على الحكمة والتروي في مواجهة تلك المفاجآت. بأسلوبه البلاغي ووصفه الدقيق، ينجح في توصيل هذه الأفكار بأسلوب مؤثر وجميل.