برد نسيم الحجاز في السحر – عنترة بن شداد
بَرْدُ نَسيم الحجاز في السَّحَرِ إذا أتاني بريحهِ العطِرِ
تعريف الشاعر:
عنترة بن شداد العبسي هو شاعر وفارس عربي شهير من شعراء العصر الجاهلي، ولد في نجد وسط الجزيرة العربية. كان معروفًا بشجاعته وفروسيته في الحروب، إضافة إلى حبه العميق لعبلة، ابنة عمه. تميزت أشعاره بالعاطفة القوية والفخر والفروسية، وكان يعد من شعراء المعلقات، حيث اشتهرت معلّقته التي تغنّى فيها بمغامراته وبطولاته وحبه لعبلة.
قصة القصيدة:
القصيدة تعبر عن مشاعر الحب والغزل التي يكنها عنترة لابنة عمه عبلة. يبدأ بوصف مشاعره عندما يستنشق نسيم الحجاز في الصباح الباكر، والذي يعده أكثر لذة من كل الثروات والممتلكات. ثم يتحدث عن فراق الحبيب، وأنه لا يهتم بملوك الدنيا إذا كان وجه الحبيب غائبًا عنه. يُصوّر عنترة في قصيدته جمال الطبيعة والمشاعر التي يشعر بها عندما يكون قرب عبلة، فيتمنى لها المطر الذي يروي الخيام وينعش الروح.
موضوع القصيدة:
القصيدة تدور حول عدة محاور رئيسية، أبرزها:
- الغزل والحب العميق: تعبير عنترة عن حبه الشديد لعبلة، ووصفه لجمالها الذي يتفوق على جمال القمر.
- الفروسية والشجاعة: يبرز الشاعر شجاعته في مواجهة التحديات والمخاطر من أجل عبلة، ويصور نفسه كمحارب قوي لا يخشى الموت.
- الوطنية والتعلق بالأرض: وصفه لجمال الحجاز والمشاعر التي ترتبط بهذا المكان، وما يمثله له من حنين وراحة.
بَرْدُ نَسيم الحجاز في السَّحَرِ
إذا أتاني بريحهِ العطِرِ
ألذُ عندي مما حوتهُ يدي
من اللآلي والمال والبدَر
ومِلْكُ كِسْرَى لا أَشتَهيه إذا
ما غابَ وجهُ الحبيبِ عن النظر
سقى الخيامَ التي نُصبنَ على
شربَّة ِ الأُنسِ وابلُ المطر
منازلٌ تطلعُ البدورُ بها
مبرقعاتٍ بظلمة ِ الشَّعرِ
بيضٌ وسمرٌ تحمي مضاربها
أساد غابٍ بالبيضِ والسُّمر
صادتْ فُؤادي مِنهُنَّ جارية ٌ
مكْحولة ُ المقْلتين بالحور
تريك من ثغرها إذا ابتسمت
كاسَ مدامٍ قد حفّ بالدرّر
أعارت الظبي سحر مقلتها
وباتَ ليثُ الشَّرَى على حذَر
خودٌ رداحٌ هيفاءُ فاتنة ٌ
تُخجلُ بالحُسنِ بهجة َ القمر
يا عبلَ نارُ الغرام في كَبدي
ترمي فؤادي بأسهم الشرر
يا عبلَ لولا الخيالُ يطرقُني
قضيت ليلي بالنوح والسَّهر
يا عبلَ كَمْ فِتْنة ٍ بَليتُ بها
وخُضتُها بالمُهنَّدِ الذَّكر
والخيلُ سُودُ الوجوه كالحة ٌ
تخوض بحر الهلاكِ والخطر
أُدَافعُ الحادثاتِ فيكِ ولاَ
أطيق دفعَ القضاء والقدر
التحليل القصيدة:
قصيدة “بَرْدُ نَسيم الحجاز في السَّحَرِ” لعنترة بن شداد هي نموذج رائع لشعر الغزل والفروسية في العصر الجاهلي. وفيما يلي تحليل عام لعناصر القصيدة:
- العاطفة والشعور العميق:
- يبدأ عنترة القصيدة بوصف إحساسه بنسيم الحجاز العطر في ساعات الصباح الباكر، ويقارن هذا الشعور العذب بالثروات المادية كاللآلئ والمال، مما يعكس تقديره الكبير للجمال الطبيعي والمشاعر الداخلية على حساب الماديات.
- حب عنترة لعبلة يتجاوز كل شيء، حتى الملك والسلطة. فهو يعتبر أن غياب وجه الحبيبة يجعله غير مكترث بأعظم الثروات، مما يعبر عن مدى عمق حبه وتعلقه بها.
- الجمال الطبيعي والتشبيه:
- يتناول عنترة الجمال الطبيعي من خلال وصف الخيام التي تشرب من مطر الأنس، وهي رمز للاستقرار والراحة التي يشعر بها عندما يكون بالقرب من حبيبته.
- الجمال الأنثوي يظهر بقوة في القصيدة، حيث يصف النساء كالبدر عندما يظهرن بظلمة الشعر، مما يعكس جمالهن الفائق وقدرتهن على أسر القلوب.
- الفروسية والشجاعة:
- العنصر الفروسي حاضر في القصيدة من خلال وصف عنترة لأهل الخيام الذين يحميهم فرسان أقوياء كأنهم أسود. هذا يربط بين الغزل والشجاعة، حيث يظهر عنترة ليس فقط كعاشق، بل كفارس يحمي ما يحب.
- يستعرض عنترة بطولاته وحروبه التي خاضها من أجل الحب، ويذكر أنه واجه العديد من الفتن والتحديات، لكنه كان دائمًا قادرًا على الانتصار بفضل سيفه وشجاعته.
- الحنين والشوق:
- الحنين يظهر في القصيدة من خلال تذكر عنترة لخيال عبلة الذي يزوره في الليل. هذا الخيال هو ما يمنحه الصبر والقوة لمواجهة ليالي السهر والنوح، مما يعكس مدى شوقه وحاجته للبقاء على اتصال بحبيبته حتى ولو في الأحلام.
- القدر والمصير:
- عنترة يعبر عن عدم قدرته على مقاومة القضاء والقدر، وهو ما يظهر من خلال قوله إنه يستطيع مواجهة الصعاب والمحن، لكنه لا يستطيع التغلب على ما كتبه الله. هذا العنصر يضيف عمقًا فلسفيًا للقصيدة، حيث يظهر توازنًا بين الإرادة البشرية والقدر المحتوم.
الخلاصة:
قصيدة “بَرْدُ نَسيم الحجاز في السَّحَرِ” تمثل مزيجًا متكاملًا من عناصر الغزل والفروسية والتأمل الفلسفي في القدر. تعكس القصيدة شخصية عنترة بن شداد المتعددة الأبعاد: الفارس الشجاع، العاشق المخلص، والشاعر الذي يقدر الجمال الطبيعي والعاطفي على حد سواء. كما أنها تسلط الضوء على التحديات التي تواجهه، سواء كانت في ميادين الحرب أو في ميادين الحب، مما يجعلها قصيدة عميقة ومؤثرة تعبر عن الروح الجاهلية بكل جوانبها.