أتاركة تدللها قطام – النابغة الذبياني
أَتارِكَةٌ تَدَلَّلَها قَطامِ وَضِنّاً بِالتَحِيَّةِ وَالكَلامِ
تعريف الشاعر:
النابغة الذبياني هو زياد بن معاوية بن ضباب بن جابر بن يربوع، أحد أعظم شعراء العرب في الجاهلية. لُقِّب بـ”النابغة” لبراعته في الشعر وسرعة بديهته. كان من شعراء المعلقات، واشتهر بمدحه للملوك والحكام، خاصة النعمان بن المنذر. عُرف بقدرته الفائقة على التعبير عن المشاعر والهموم، واستخدم في شعره أسلوباً راقياً يعكس الحكمة والفطنة.
قصة القصيدة:
قصيدة “أتاركة تدللها قطام” تعكس أحد المواقف الحياتية التي واجهها النابغة، حيث يعبّر عن الحزن والندم على فراق امرأة تُدعى “قطام”. في بداية القصيدة، يعاتب النابغة “قطام” على تجاهلها له وتدليلها، ثم يتقبل الفراق بطريقة مشرفة. ينتقل بعد ذلك لوصف جمالها ورفعتها باستخدام لغة غنية بالاستعارات والتشبيهات، ليبرز مدى تأثيرها عليه.
في الأبيات التالية، ينتقل النابغة إلى تصوير مشهد معركة شديدة بين قومه وأعدائهم، ليظهر الشجاعة والقوة التي واجهوا بها العدو. وفي النهاية، يشير إلى أهمية الإرث والمجد الذي تركه أجداده، ويصف كيف أن قومه قد دكوا حصون العدو وحققوا النصر.
أَتارِكَةٌ تَدَلَّلَها قَطامِ
وَضِنّاً بِالتَحِيَّةِ وَالكَلامِ
فَإِن كانَ الدَلالَ فَلا تَلَجّي
وَإِن كانَ الوَداعَ فَبِالسَلامِ
فَلَو كانَت غَداةَ البَينِ مَنَّت
وَقَد رَفَعوا الخُدورَ عَلى الخِيامِ
صَفَحتُ بِنَظرَةٍ فَرَأَيتُ مِنها
تُحَيتَ الخِدرِ واضِعَةَ القِرامِ
تَرائِبَ يَستَضيءُ الحَليُ فيها
كَجَمرِ النارِ بُذَّرَ بِالظَلامِ
كَأَنَّ الشَذرَ وَالياقوتَ مِنها
عَلى جَيداءَ فاتِرَةِ البُغامِ
خَلَت بِغَزالِها وَدَنا عَلَيها
أَراكُ الجِزعِ أَسفَلَ مِن سَنامِ
تَسَفُّ بَريرَهُ وَتَرودُ فيهِ
إِلى دُبُرِ النَهارِ مِنَ البَشامِ
كَأَنَّ مُشَعشَعاً مِن خَمرِ بُصرى
نَمَتهُ البُختُ مَشدودَ الخِتامِ
نَمَينَ قِلالَهُ مِن بَيتِ راسٍ
إِلى لُقمانَ في سوقٍ مُقامِ
إِذا فُضَّت خَواتِمُهُ عَلاهُ
يَبيسُ القُمَّحانِ مِنَ المُدامِ
عَلى أَنيابِها بِغَريضِ مُزنٍ
تَقَبَّلَهُ الجُباةُ مِنَ الغَمامِ
فَأَضحَت في مَداهِنَ بارِداتٍ
بِمُنطَلَقِ الجَنوبِ عَلى الجَهامِ
تَلَذُّ لِطَعمِهِ وَتَخالُ فيهِ
إِذا نَبَّهتَها بَعدَ المَنامِ
فَدَعها عَنكَ إِذ شَطَّت نَواها
وَلَجَّت مِن بُعادِكَ في غَرامِ
وَلَكِن ما أَتاكَ عَنِ اِبنِ هِندٍ
مِنَ الحَزمِ المُبَيَّنِ وَالتَمامِ
فِداءٌ ما تُقِلُّ النَعلُ مِنّي
إِلى أَعلى الذُؤابَةِ لِلهُمامِ
وَمَغزاهُ قَبائِلَ غائِظاتٍ
عَلى الذِهيَوطِ في لَجِبٍ لَهامِ
يُقَدنَ مَعَ اِمرِئٍ يَدَعُ الهُوَينا
وَيَعمِدُ لِلمُهِمّاتِ العِظامِ
أُعينَ عَلى العَدوِّ بِكُلِّ طِرفٍ
وَسَلهَبَةٍ تُجَلَّلُ في السِمامِ
وَأَسمَرَ مارِنٍ يَلتاحُ فيهِ
سِنانٌ مِثلُ نِبراسِ النِهامِ
وَأَنبَأَهُ المُنَبِّئُ أَنَّ حَيّاً
حُلولاً مِن حَرامٍ أَو جُذامِ
وَأَنَّ القَومَ نَصرُهُمُ جَميعٌ
فِئامٌ مُجلِبونَ إِلى فِئامِ
فَأَورَدَهُنَّ بَطنَ الأَتمِ شُعثاً
يَصُنَّ المَشيَ كَالحِدَءِ التُؤامِ
عَلى إِثرِ الأَدِلَّةِ وَالبَغايا
وَخَفقِ الناجِياتِ مِنَ الشَآمِ
فَباتوا ساكِنينَ وَباتَ يَسري
يُقَرِّبُهُم لَهُ لَيلُ التِمامِ
فَصَبَّحَهُم بِها صَهباءَ صِرفاً
كَأَنَّ رُؤوسَهُم بَيضُ النَعامِ
فَذاقَ المَوتُ مَن بَرَكَت عَلَيهِ
وَبِالناجينَ أَظفارٌ دَوامِ
وَهُنَّ كَأَنَّهُنَّ نِعاجُ رَملٍ
يُسَوّينَ الذُيولَ عَلى الخِدامِ
يُوَصّينَ الرُواةَ إِذا أَلَمّوا
بِشُعثٍ مُكرَهينَ عَلى الفِطامِ
وَأَضحى ساطِعاً بِجِبالِ حِمسى
دُقاقُ التُربِ مُختَزِمُ القَتامِ
فَهَمَّ الطالِبونَ لِيُدرِكوهُ
وَما راموا بِذَلِكَ مِن مَرامِ
إِلى صَعبِ المَقادَةِ ذي شَريسٍ
نَماهُ في فُروعِ المَجدِ نامِ
أَبوهُ قَبلَهُ وَأَبو أَبيهِ
بَنَوا مَجدَ الحَياةِ عَلى إِمامِ
فَدَوَّختَ العِراقَ فَكُلُّ قَصرٍ
يُجَلَّلُ خَندَقٌ مِنهُ وَحامِ
وَما تَنفَكُّ مَحلولاً عُراها
عَلى مُتَناذِرِ الأَكلاءِ طامِ
تحليل القصيدة:
القصيدة “أَتارِكَةٌ تَدَلَّلَها قَطامِ” للنابغة الذبياني هي واحدة من القصائد التي تعكس عمق العواطف والمشاعر التي يمكن للشاعر أن يعبر عنها، كما تجمع بين الحب والفخر والحرب. إليك التحليل العام للقصيدة:
1. العتاب العاطفي:
- تبدأ القصيدة بعتاب الشاعر لامرأة تُدعى “قطام” بسبب تدليلها ورفضها له. يظهر الشاعر هنا في موقف متردد بين استمراره في الحب أو تقبله للفراق. الأبيات الأولى تعكس هذا الصراع الداخلي، حيث يحاول الشاعر التوفيق بين عاطفته وكرامته.
2. وصف الجمال:
- ينتقل الشاعر بعد ذلك إلى وصف جمال “قطام” بطريقة شاعرية وغنية بالتشبيهات والاستعارات. يصف الشاعر تزينها بالحلي والياقوت وكيف تضيء هذه الزينة جسدها كما لو أنها جمرات في الظلام. هذه الأوصاف تعكس مدى تأثير جمالها عليه، وتبرز الدقة والمهارة التي يمتلكها الشاعر في تصوير الجمال الأنثوي.
3. التحول إلى الفخر والحرب:
- في الجزء الثاني من القصيدة، يتحول الشاعر من العتاب العاطفي إلى الفخر والحرب. يصف الشاعر معركة بين قومه وأعدائهم، حيث يبرز شجاعة قومه وقدرتهم على مواجهة الصعاب وتحقيق النصر. يصف المشهد الحربي بدقة، مشيراً إلى قوة الجيوش وحزمها في مواجهة العدو، وكيف أنهم استطاعوا دك حصون العدو وتحقيق الانتصار.
4. الإرث والمجد:
- في الأبيات الأخيرة، يشير الشاعر إلى الإرث والمجد الذي تركه أجداده. يظهر هنا نوع من الفخر بالأصول والعائلة، ويؤكد على أن الشجاعة والقوة هي جزء من الإرث الذي ورثه عن أجداده.
5. اللغة والأسلوب:
- تستخدم القصيدة لغة قوية ومليئة بالاستعارات والتشبيهات، مما يعكس مهارة الشاعر في التصوير والتعبير. الشاعر يوازن بين العاطفة والفخر بطريقة تنم عن وعي عميق بتعقيدات الحياة البشرية.
التحليل العام:
- القصيدة تجمع بين العاطفة والحكمة، حيث يبدأ الشاعر بالتعبير عن مشاعره الشخصية تجاه “قطام”، ثم ينتقل إلى موضوعات أكثر عمقاً مثل الفخر والحرب. هذه القصيدة تعكس الطبيعة المتعددة الأوجه للشعر الجاهلي، حيث يمتزج فيها الحب بالحرب والفخر بالمشاعر الإنسانية العميقة. النابغة يستخدم هذه القصيدة ليس فقط للتعبير عن مشاعره، ولكن أيضاً لتأكيد مكانته كشاعر يمتلك الحكمة والبلاغة، ويعرف كيف يمزج بين مختلف الموضوعات في قصيدة واحدة بطريقة سلسة ومؤثرة.