أنذرت أعدائي غدا – عمرو بن كلثوم
أَنذَرتُ أَعدائي غَدا ةَ قَناً حُدَيّا الناسِ طُرّا
تعريف الشاعر:
عمرو بن كلثوم هو شاعر جاهلي من قبيلة تغلب، وُلد في بداية القرن السادس الميلادي وعاش حتى النصف الثاني منه. يُعتبر واحدًا من فحول الشعراء العرب في العصر الجاهلي، واشتهر بقصائده التي تمجد القبيلة وتحتفي بالشجاعة والفخر. يُنسب إليه المعلقة الشهيرة التي بدأها بقوله “ألا هُبّي بصحنكِ فاصبحينا”، والتي تُعَدُّ واحدة من أعظم القصائد في الشعر العربي. عاش عمرو بن كلثوم في زمن شهد العديد من الصراعات القبلية، وكان من أبرز زعماء قبيلته، حتى قتل عمرو بن هند ملك الحيرة بعد أن حاول الأخير إهانته.
قصة القصيدة:
قصيدة “أنذرت أعدائي غدا” تعكس روح التحدي والشجاعة لدى عمرو بن كلثوم. يظهر الشاعر في هذه الأبيات وهو يُنذر أعداءه بقدوم المعركة، ويصف نفسه بأنه رجل حرّ، قوي، وصاحب نخوة عالية، لا يخاف المواجهة ولا يتراجع أمام التحديات. يشير إلى أعدائه الذين يحاولون تشويه سمعته ويظهرون له الودّ في حضوره، لكنهم يخفون الشر في نفوسهم. يشير أيضًا إلى أن الشجاعة والشهامة تُعد من الصفات المتأصلة فيه وفي قومه.
موضوع القصيدة:
القصيدة تتحدث عن الشجاعة والفخر القبلي والتحذير من الأعداء الذين يظهرون خلاف ما يبطنون. الشاعر يتباهى بأصوله القوية وبأفعال قومه الذين لا يترددون في الدفاع عن شرفهم وقيمهم. يظهر عمرو بن كلثوم هنا كقائد قوي وواثق، مستعد للتضحية من أجل حماية قبيلته وأمجادها.
أَنذَرتُ أَعدائي غَدا
ةَ قَناً حُدَيّا الناسِ طُرّا
لا مُرعِياً مَرعىً لَهُم
ما فاتَني أَمسَيتُ حُرّا
حُلواً إِذا اِبتُغِيَ الحَلا
وَةُ وَاِستُحِبَّ الجَهدُ مُرّا
كَم مِن عَدُوٍّ جاهدٍ
بِالشَرِّ لَو يَسطيعُ شَرّا
يَغتابُ عِرضي غائِباً
فِإِذا تَلاقَينا اِقشَعَرّا
يُبدي كَلاماً لَيِّناً
عِندي وَيَحقِرُ مُستَسِرّا
إِنّي اِمرُؤٌ أُبدي مُخاً
لَفَتي وَأَكرَهُ أَن أُسِرّا
مِن عُصبَةٍ شُمِّ الأُنو
فِ تَرى عَدُوَّهُمُ مَصِرّا
أَفَناءُ تَغلِبَ والِدي
وَيَدي إِذا ما البَأسُ ضَرّا
وَالرافِعين بِناءَهُم
فَتَراهُ أَشمَخَ مُشمَخِرّا
وَالمانِعينَ بَناتِهِم
عِندَ الوَغى حَدَباً وَبرّا
وَالمُطعِمينَ لَدى الشِتا
ءِ سَدائِفاً مِنَ النَيبِ غُرّا
وَلَقَد شَهِدتُ الخَيلَ تَحـ
ـتَ الدارِعينَ تَزُرُّ زَرّا
نازَعتُ أَولاها الكَتيـ
ـبَةِ معجِماً طِرفاً طِمِرّا
تحليل القصيدة:
قصيدة عمرو بن كلثوم تعكس روح الفخر والشجاعة التي كانت تميز شعراء الجاهلية، وخاصة أولئك الذين ينتمون إلى قبائل قوية مثل تغلب. من خلال هذه الأبيات، يقدم الشاعر صورة واضحة عن طبيعة الصراع في العصر الجاهلي، حيث كانت الحروب والصراعات القبلية جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية.
1. الافتخار بالنفس والقبيلة:
الشاعر يبدأ قصيدته بإعلان واضح للتهديد والإنذار لأعدائه، مما يعكس ثقته الكبيرة في نفسه وفي قوته. يتحدث عن حريته وعن قدرته على المواجهة دون تردد. هذا الفخر ليس فقط بنفسه، بل هو فخر بأصوله وقبيلته التي يشير إليها بأنها من العوائل النبيلة التي لا تتنازل عن كرامتها وحقوقها.
2. الشجاعة والإقدام:
يصف الشاعر نفسه بأنه الشخص الذي يختار المواجهة على الهروب، ويقدم نفسه كرجل لا يخاف التحديات. يوضح أنه لا يخشى من أعدائه، سواء في العلن أو في الخفاء، وأنه يفضل مواجهة الشر علنًا بدلاً من التآمر سرًا. هذه الصفات تجعل منه مثالاً للفارس الشجاع الذي لا يخشى الموت.
3. ازدواجية الأعداء:
يشير الشاعر إلى خصومه الذين يظهرون الود أمامه، لكنهم يحملون الحقد والشر في قلوبهم. هذه الإشارة إلى النفاق تظهر فهم الشاعر العميق لطبيعة البشر، وتؤكد على حكمته وحذره في التعامل مع الناس. الشاعر ينتقد هذه الازدواجية ويعتبرها علامة ضعف، بينما يفضل هو الوضوح والصراحة في تعامله مع الآخرين.
4. الإشارة إلى العزة القبلية:
القصيدة مليئة بالإشارات إلى القوة القبلية والفخر بالنسب. عمرو بن كلثوم يفتخر بأصله وبقومه، ويصفهم بأنهم رجال شجعان لا يتراجعون أمام التحديات. يشير أيضًا إلى دور القبيلة في حماية أبنائها ودعمهم في أوقات الشدة، مما يعزز فكرة التضامن القبلي وأهمية الوحدة.
5. الصور البلاغية واللغة:
القصيدة تتميز بالصور البلاغية القوية التي تستخدمها لتوصيل رسائل الشاعر. على سبيل المثال، يستخدم الشاعر كلمات مثل “اقشعرّ” و”يحقِر” لإظهار الخوف والاحتقار، مما يعزز من تأثير القصيدة على المستمع. اللغة المستخدمة في القصيدة تعكس قوة الشاعر وتمكنه من استخدام الكلمات بشكل يجعلها ذات تأثير كبير.
الختام:
عمرو بن كلثوم يختتم قصيدته بإظهار قوته، ليس فقط في القتال، بل أيضًا في التصرف بأخلاق عالية ومبادئ راسخة. يشير إلى أن قوته تأتي من أصوله ومن قومه الذين يدعمونه. هذا الخاتمة تترك انطباعًا قويًا عن الشاعر وتؤكد على مكانته في المجتمع.