قصيدة الما على الربع القديم بِعسعسا – امرؤ القيس

تعريف الشاعر:

امرؤ القيس بن حجر الكندي، هو شاعر عربي قديم يعتبر من أبرز شعراء العصر الجاهلي. اسمه الكامل امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي، ولقب بـ”ذو القروح” بسبب الجروح التي أصيب بها في نهاية حياته. ولد في قبيلة كندة في اليمن، وعاش في القرن السادس الميلادي. اشتهر بشعره الغزلي والوصفي، ويعد من مؤسسي مدرسة الشعر العربي القديم. من أشهر قصائده “المعلقة” التي تبدأ ببيت “قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل”.

قصيدة الما على الربع القديم بِعسعسا – امرؤ القيس

أَلِمّا عَلى الرَبعِ القَديمِ بِعَسعَسا
كَأَنّي أُنادي أَو أُكَلِّمُ أَخرَسا
فَلَو أَنَّ أَهلَ الدارِ فيها كَعَهدِنا
وَجَدتُ مَقيلاً عِندَهُم وَمُعَرِّسا
فَلا تُنكِروني إِنَّني أَنا ذاكُمُ
لَيالِيَ حَلَّ الحَيُّ غَولاً فَأَلعَسا
فَإِمّا تَريني لا أُغَمِّضُ ساعَةً
مِنَ اللَيلِ إِلّا أَن أَكُبَّ فَأَنعَسا
تَأَوَّبَني دائي القَديمُ فَغَلَّسا
أُحاذِرُ أَن يَرتَدَّ دائي فَأُنكَسا
فَيا رُبَّ مَكروبٍ كَرَرتُ وَراءَهُ
وَطاعَنتُ عَنهُ الخَيلَ حَتّى تَنَفَّسا
وَيا رُبَّ يَومٍ قَد أَروحُ مُرَجَّلاً
حَبيباً إِلى البيضِ الكَواعِبِ أَملَسا
يَرُعنَ إِلى صَوتي إِذا ما سَمِعنَهُ
كَما تَرعَوي عيطٌ إِلى صَوتِ أَعيَسا
أَراهُنَّ لا يُحبِبنَ مَن قَلَّ مالُهُ
وَلا مَن رَأَينَ الشَيبَ فيهِ وَقَوَّسا
وَما خِفتُ تَبريحَ الحَياةِ كَما أَرى
تَضيقُ ذِراعي أَن أَقومَ فَأَلبِسا
فَلَو أَنَّها نَفسٌ تَموتُ جَميعَةً
وَلَكِنَّها نَفسٌ تُساقِطُ أَنفُسا
وَبُدِّلتُ قَرحاً دامِياً بَعدَ صِحَّةٍ
فَيا لَكِ مِن نُعمى تَحَوَّلنَ أَبؤُسا
لَقَد طَمِحَ الطَمّاحُ مِن بُعدِ أَرضِهِ
لِيُلبِسَني مِن دائِهِ ما تَلَبَّسا
أَلا إِنَّ بَعدَ العُدمِ لِلمَرءِ قَنوَةً
وَبَعدَ المَشيبِ طولُ عُمرٍ وَمَلبَسا

تحليل عام للقصيدة:

قصيدة امرؤ القيس “الما على الربع القديم بِعسعسا” هي إحدى القصائد الجاهلية التي تجسد الحزن والحنين إلى الماضي، وتعبر عن مشاعر الشاعر تجاه الزمان وتغير الحال. فيما يلي تحليل لأهم العناصر الأدبية في القصيدة:

1. الموضوع الرئيسي:

القصيدة تتمحور حول مشاعر الحزن والأسى التي يعاني منها الشاعر بعد تغير حاله وفقدانه للنعمة والصحة. يعبر امرؤ القيس عن شوقه لأيام الشباب والصحة ويشكو من آلامه وأحزانه.

2. البنية:

القصيدة تتبع هيكل القصيدة الجاهلية التقليدية، حيث تبدأ بالوقوف على الأطلال واسترجاع الذكريات، ثم تنتقل إلى وصف الحالة النفسية والبدنية للشاعر، وتنتهي بالتأمل في الحياة والمصير.

3. اللغة والأسلوب:

استخدم امرؤ القيس لغة عربية فصيحة وقوية، تتسم بالجزالة والبلاغة. الأسلوب يتميز بالصورة الشعرية القوية والتشبيهات البليغة. على سبيل المثال، يشبه نفسه بمن ينادي أو يكلم أخرسًا، مما يعكس حالته النفسية وعجزه عن التواصل.

4. الصور الشعرية:

القصيدة غنية بالصور الشعرية التي تعكس حالة الشاعر. على سبيل المثال، في البيت الثاني، يشبه امرؤ القيس نفسه بمن يجد مقيلاً ومعرسًا عند أهل الدار، مما يعبر عن الراحة والأمان الذي كان يشعر به في الماضي. وكذلك في البيت الثالث، حيث يشير إلى الليل الذي لا يستطيع أن يغمض فيه عينًا إلا أن يكب ويغفى، مما يعكس معاناته من الأرق والألم.

5. العاطفة:

العاطفة في القصيدة عميقة وصادقة. يظهر امرؤ القيس شعوره بالحزن والأسى بشكل واضح، كما يعبر عن شوقه للماضي وحنينه لأيام الشباب والصحة. هذه العواطف تساهم في جعل القصيدة مؤثرة ومؤلمة.

6. المفاهيم الفلسفية:

القصيدة تتناول أيضًا بعض المفاهيم الفلسفية، مثل التأمل في الحياة والموت، وفكرة أن الحياة مليئة بالتحولات والتغيرات التي يجب على الإنسان أن يتأقلم معها. الشاعر يعبر عن قلقه من الشيخوخة وفقدان الشباب، ويتساءل عن معنى الحياة في ظل المعاناة.