أهاجك من سعداك مغنى المعاهد – النابغة الذبياني
أَهاجَكَ مِن سُعداكَ مَغنى المَعاهِدِ بِرَوضَةِ نُعمِيٍّ فَذاتِ الأَساوِدِ
تعريف الشاعر:
النابغة الذبياني هو زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني، أحد أشهر شعراء العصر الجاهلي. لقب بالنابغة لأنه كان ينظم الشعر بمهارة فائقة، وكان يُعَد من فحول الشعراء في عصره. عُرف بحكمته وبلاغته، وكان من المقربين للملوك والأمراء، حيث قضى جزءاً من حياته في بلاط النعمان بن المنذر ملك الحيرة.
قصة القصيدة:
قصيدة “أهاجك من سعداك مغنى المعاهد” للنابغة الذبياني كمدح للنعمان بن المنذر، أحد ملوك الحيرة، والتي تعكس علاقة الشاعر الوثيقة بالنعمان. من خلال القصيدة، يبرز النابغة شجاعة النعمان وكرمه ومكانته العالية بين القبائل، كما يتطرق إلى تصوير بعض المعارك والأحداث التي شهدها الشاعر.
أَهاجَكَ مِن سُعداكَ مَغنى المَعاهِدِ
بِرَوضَةِ نُعمِيٍّ فَذاتِ الأَساوِدِ
تَعاوَرَها الأَرواحُ يَنسِفنَ تُربَها
وَكُلُّ مُلِثٍّ ذي أَهاضيبَ راعِدِ
بِها كُلُّ ذَيّالٍ وَخَنساءَ تَرعَوي
إِلى كُلِّ رَجّافٍ مِنَ الرَملِ فارِدِ
عَهِدتُ بِها سُعدى وَسُعدى غَريرَةٌ
عَروبٌ تَهادى في جَوارٍ خَرائِدِ
لَعَمري لَنِعمَ الحَيِّ صَبَّحَ سِربَنا
وَأَبياتَنا يَوماً بِذاتِ المَراوِدِ
يَقودُهُمُ النُعمانُ مِنهُ بِمُحصَفٍ
وَكَيدٍ يَغُمُّ الخارِجِيَّ مُناجِدِ
وَشيمَةِ لا وانٍ وَلا واهِنِ القُوى
وَجَدٍّ إِذا خابَ المُفيدونَ صاعِدِ
فَآبَ بِأَبكارٍ وَعونٍ عَقائِلٍ
أَوانِسَ يَحميها اِمرُؤٌ غَيرُ زاهِدِ
يُخَطَّطنَ بِالعيدانِ في كُلِّ مَقعَدٍ
وَيَخبَأنَ رُمّانَ الثُدِيِّ النَواهِدِ
وَيَضرِبنَ بِالأَيدي وَراءَ بَراغِزٍ
حِسانِ الوُجوهِ كَالظِباءِ العَواقِدِ
غَرائِرُ لَم يَلقَينَ بَأساءَ قَبلَها
لَدى اِبنِ الجُلاحِ ما يَثِقنَ بِوافِدِ
أَصابَ بَني غَيظٍ فَأَضحَوا عِبادَهُ
وَجَلَّلَها نُعمى عَلى غَيرِ واحِدِ
فَلا بُدَّ مِن عَوجاءَ تَهوي بِراكِبٍ
إِلى اِبنِ الجُلاحِ سَيرُها اللَيلَ قاصِدِ
تَخُبُّ إِلى النُعمانِ حَتّى تَنالَهُ
فِدىً لَكَ مِن رَبٍّ طَريفي وَتالِدي
فَسَكَّنتَ نَفسي بَعدَما طارَ روحُها
وَأَلبَستَني نُعمى وَلَستُ بِشاهِدِ
وَكُنتُ اِمرَأً لا أَمدَحُ الدَهرَ سوقَةٍ
فَلَستُ عَلى خَيرٍ أَتاكَ بِحاسِدِ
سَبَقتَ الرِجالَ الباهِشينَ إِلى العُلى
كَسَبقِ الجَوادِ اِصطادَ قَبلَ الطَوارِدِ
عَلَوتَ مَعَدّاً نائِلاً وَنِكايَةً
فَأَنتَ لِغَيثِ الحَمدِ أَوَّلُ رائِدِ
تحليل القصيدة:
الموضوع الرئيسي:
القصيدة تتناول مدح النعمان بن المنذر، وتمجيد شجاعته وكرمه. يتحدث الشاعر عن معارك النعمان وانتصاراته، وكيف كانت له اليد العليا في العديد من المواجهات. كما يصف الشاعر مشاعر الامتنان والعرفان تجاه النعمان لما قدمه له من دعم وحماية.
الأفكار والموضوعات:
- الحنين والتذكر: يبدأ الشاعر بتذكر الأماكن التي كانت تجتمع فيها القبائل، ويستحضر ذكرياته مع من كان فيها، مما يثير في نفسه الحنين.
- الشجاعة والبسالة: يتحدث الشاعر عن المعارك التي قادها النعمان، ويصفه بالقائد الشجاع الذي لا يتردد في مواجهة الأعداء.
- الكرم والجود: يشيد الشاعر بكرم النعمان وكيف كان يمنح ويعطي دون تردد.
- الوفاء والعرفان: يظهر الشاعر امتنانه للنعمان على ما قدمه له، ويؤكد أنه لم يمدح أحداً من العامة سوى النعمان.
الصور الفنية والأساليب البلاغية:
- التشبيه: يستخدم الشاعر التشبيه في وصف الأحداث والشخصيات، مثل قوله “كَسَبقِ الجَوادِ اِصطادَ قَبلَ الطَوارِدِ” حيث يشبه سرعة وفعالية النعمان بسرعة الجواد الذي يسبق الآخرين.
- الاستعارة: يعبر الشاعر عن مشاعر الحنين والشوق من خلال استعارات ترتبط بالطبيعة والمكان.
- الرمزية: تعبر بعض الأبيات عن رمزية الشجاعة والكرم من خلال وصف الأفعال والأحداث التي شارك فيها النعمان.
التحليل العام:
القصيدة تمثل نموذجاً للشعر الجاهلي الذي يجمع بين الفخر والمدح، وتعكس مكانة الشاعر النابغة الذبياني في بلاط النعمان بن المنذر. النص يظهر مهارة الشاعر في استخدام اللغة والصور البلاغية للتعبير عن مشاعره وأفكاره، ويبرز القيم التي كانت تحظى بتقدير كبير في المجتمع الجاهلي، مثل الشجاعة والكرم والوفاء.