أهاجك من أسماء رسم المنازل – النابغة الذبياني
أَهاجَكَ مِن أَسماءَ رَسمُ المَنازِلِ بِرَوضَةِ نُعمِيٍّ فَذاتِ الأَجاوِلِ
تعريف الشاعر:
النابغة الذبياني هو زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني، شاعر عربي من شعراء الجاهلية الكبار. لقب بالنابغة لأنه نبغ في الشعر فجأة بعد فترة من الصمت، وهو واحد من أصحاب المعلقات، وله مكانة عالية في بلاط النعمان بن المنذر ملك الحيرة. يُعتبر من أسياد الشعراء الجاهليين، وكان له تأثير كبير على الشعراء اللاحقين.
قصة القصيدة:
قصيدة “أَهاجَكَ مِن أَسماءَ رَسمُ المَنازِلِ” هي من قصائد النابغة الذبياني التي عبر فيها عن الحنين إلى ديار الأحبة وأطلالها. القصيدة تتحدث عن ذكرى امرأة تدعى أسماء، وعن الأماكن التي كانت تعيش فيها، وكيف تبدلت الأحوال وتغيرت الأماكن بعد رحيل الأحبة. القصيدة تُظهر مشاعر الشاعر وتعلقه الشديد بالماضي وذكرياته الجميلة.
موضوع القصيدة:
القصيدة تتناول موضوع الفراق والحنين إلى الماضي، حيث يبدأ الشاعر بوصف الأطلال التي تحرك مشاعره، ويتذكر الأيام التي عاشها مع أهله وأحبابه. ينتقل بعدها إلى وصف البيئة المحيطة، بما في ذلك السحاب، والريح، والأمطار، مما يعكس حالة الشاعر النفسية وما يعتمل في داخله من حزن واشتياق.
أَهاجَكَ مِن أَسماءَ رَسمُ المَنازِلِ
بِرَوضَةِ نُعمِيٍّ فَذاتِ الأَجاوِلِ
أَرَبَّت بِها الأَرواحُ حَتّى كَأَنَّما
تَهادَينَ أَعلى تُربِها بِالمَناخِلِ
وَكُلُّ مُلِثٍ مُكفَهِرٍ سَحابُهُ
كَميشِ التَوالي مُرثَعِنَّ الأَسافِلِ
إِذا رَجَفَت فيهِ رَحىً مُرجَحِنَّةٌ
تَبَعَّقَ ثَجّاجٌ غَزيرُ الحَوافِلِ
عَهِدتُ بِها حَيّاً كِراماً فَبُدِّلَت
خَناطيلَ آجالِ النِعامِ الجَوافِلِ
تَرى كُلَّ ذَيّالٍ يُعارِضُ رَبرَباً
عَلى كُلِّ رَجّافٍ مِنَ الرَملِ هائِلِ
يُثِرنَ الحَصى حَتّى يُباشِرنَ بَردَهُ
إِذا الشَمسُ مَجَّت ريقَها بِالكَلاكِلِ
وَناجِيَةٍ عَدَّيتُ في مَتنِ لاحِبٍ
كَسَحلِ اليَماني قاصِدٍ لِلمَناهِلِ
لَهُ خُلُجٌ تَهوي فُرادى وَتَرعَوي
إِلى كُلِّ ذي نيرَينِ بادي الشَواكِلِ
وَإِنّي عَداني عَن لِقائِكِ حادِثٌ
وَهَمٌّ أَتى مِن دونِ هَمَّكِ شاغِلُ
نَصَحتُ بَني عَوفٍ فَلَم يَتَقَبَّلوا
وَصاتي وَلَم تَنجَح لَدَيهِم وَسائِلي
فَقُلتُ لَهُم لا أَعرِفَنَّ عَقائِلاً
رَعابيبَ مِن جَنبَي أَريكٍ وَعاقِلِ
ضَوارِبَ بِالأَيدي وَراءَ بَراغِزٍ
حِسانٍ كَآرامِ الصَريمِ الخَواذِلِ
خِلالَ المَطايا يَتَّصِلنَ وَقَد أَتَت
قِنانُ أَبيرٍ دونَها وَالكَوائِلِ
وَخَلّوا لَهُ بَينَ الجِنابِ وَعالِجٍ
فِراقَ الخَليطِ ذي الأَذاةِ المُزايِلِ
وَلا أَعرِفَنّي بَعدَما قَد نَهَيتُكُم
أُجادِلُ يَوماً في شَوِيٍّ وَجامِلِ
وَبيضٍ غَريراتٍ تَفيضُ دُموعُها
بِمُستَكرَهٍ يُذرينَهُ بِالأَنامِلِ
وَقَد خِفتُ حَتّى ما تَزيدُ مَخافَتي
عَلى وَعِلٍ في ذي المَطارَةِ عاقِلِ
مَخافَةَ عَمروٍ أَن تَكونَ جِيادُهُ
يُقَدنَ إِلَينا بَينَ حافٍ وَناعِلِ
إِذا اِستَعجَلوها عَن سَجِيَّةِ مَشيها
تَتَلَّعُ في أَعناقِها بِالجَحافِلِ
شَوازِبَ كَالأَجلامِ قَد آلَ رِمُّها
سَماحيقَ صُفراً في تَليلٍ وَفائِلِ
وَيَقذِفنَ بِالأَولادِ في كُلِّ مَنزِلٍ
تَشَحَّطُ في أَسلائِها كَالوَصائِلِ
تَرى عافِياتِ الطَيرِ قَد وَثِقَت لَها
بِشَبعٍ مِنَ السَخلِ العِتاقِ الأَكائِلِ
يَرى وَقَعُ الصَوّانِ حَدَّ نُسورِها
فَهُنَّ لِطافٌ كَالصِعادِ الذَوابِلِ
مُقَرَّنَةً بِالعيسِ وَالأُدمِ كَالقَنا
عَلَيها الخُبورُ مُحقَباتُ المَراجِلِ
وَكُلُّ صَموتٍ نَثلَةٍ تُبَّعِيَّةٍ
وَنَسجُ سُلَيمٍ كُلَّ قَضّاءَ ذائِلِ
عُلينَ بِكِديَونٍ وَأُبطِنَّ كَرَّةً
فَهُنَّ وِضاءٌ صافِياتُ القَلائِلِ
عَتادُ اِمرُؤٍ لا يَنقُضُ البُعدُ هَمَّهُ
طَلوبُ الأَعادي واضِحٌ غَيرُ خامِلِ
تَحينُ بِكَفَّيهِ المَنايا وَتارَةً
تَسُحّانِ سَحّاً مِن عَطاءٍ وَنائِلِ
إِذا حَلَّ بِالأَرضِ البَريَّةِ أَصبَحَت
كَئيبَةَ وَجهٍ غِبُّها غَيرُ طائِلِ
يَؤُمَ بِرِبعِيٍّ كَأَنَّ زُهائَهُ
إِذا هَبَطَ الصَحراءَ حَرَّةُ راجِلِ
تحليل القصيدة:
القصيدة تنتمي إلى شعر الأطلال، وهو نوع من الشعر العربي الجاهلي الذي يبدأ بوصف ديار الأحبة المهجورة، والتي تحرك في الشاعر مشاعر الحزن والحنين. النابغة الذبياني يستخدم في هذه القصيدة لغة شاعرية غنية بالصور والتشبيهات التي تبرز حالته العاطفية المتأرجحة بين الحزن على الماضي والأمل في المستقبل.
في الأبيات الأولى، يبدأ الشاعر بوصف الأطلال، ويستخدم كلمات تعبر عن الزمن والقدم مثل “رَسمُ المَنازِلِ”، مما يشير إلى مرور الوقت وتغير الأحوال. ينتقل بعد ذلك إلى وصف مشاهد الطبيعة التي تضيف إلى جو الحزن، حيث تتجسد في السحاب المظلم والرياح الشديدة، مما يعكس حالة عدم الاستقرار الداخلي الذي يشعر به.
القصيدة أيضاً تحتوي على مشاهد للصيد والخيول، وهو ما يعكس حياة البداوة والترحال في الجاهلية. من خلال هذه الصور، يعبر الشاعر عن حنينه إلى حياة القوة والشجاعة التي كانت سائدة في زمنه.
الشاعر يظهر في هذه القصيدة براعته في المزج بين الحزن الشخصي ووصف الطبيعة، مما يجعل القصيدة لوحة شعرية متكاملة تعبر عن حالة الشاعر الوجدانية وأثر الفراق على نفسه.