دعا معاشر فاستكت مسامعهم – عبيد بن الأبرص
دَعا مَعاشِرَ فَاِستَكَّت مَسامِعُهُم يا لَهفَ نَفسِيَ لَو تَدعو بَني أَسَدِ
تعريف الشاعر:
عبيد بن الأبرص هو أحد شعراء العصر الجاهلي، ويعتبر من الشعراء المقلين في قول الشعر. عاش في زمن الملك المنذر بن ماء السماء وكان له مكانة في قومه. اشتهر بالحكمة في شعره واستخدام الألفاظ القوية والمعاني العميقة. يُعتبر من شعراء المعلقات، وأشهر قصائده هي معلقته.
قصة القصيدة:
قصيدة “دعا معاشر فاستكت مسامعهم” تتناول موضوعاً حربياً يظهر فيه الشاعر موقفه من بعض القبائل وعدم استجابتهم للنداء في وقت الشدة والحاجة. يتحدث الشاعر عن مجموعة من المقاتلين (بني أسد) الذين لم يكونوا على مستوى التوقعات في الحروب، في حين أن الشاعر وقومه كانوا قد أدوا واجبهم في حماية الآخرين في يوم النعف.
الشاعر يأسف لأن القوم الذين دعاهم لم يكونوا على قدر المسؤولية، ويقارن بينهم وبين قومه (بني أسد) الذين كانوا أبطالاً في الحروب. يصف كيف كان يمكن أن تكون الأمور مختلفة لو أن هؤلاء القوم لبوا النداء كما فعل قومه في الحروب السابقة.
موضوع القصيدة:
القصيدة تتناول موضوع الشجاعة والفروسية والحروب، وتوضح خيبة أمل الشاعر في بعض القبائل التي لم تظهر القوة والبسالة المطلوبة في مواقف الحرب. كما أنها تُظهر افتخار الشاعر بقبيلته وقومه الذين كانوا حماة حقيقيين في أوقات الشدة.
دَعا مَعاشِرَ فَاِستَكَّت مَسامِعُهُم
يا لَهفَ نَفسِيَ لَو تَدعو بَني أَسَدِ
تَدعو إِذاً حامِيَ الكُماةِ لا كَسِلاً
إِذا السُيوفُ بِأَيدي القَومِ كَالوَقَدِ
لَو هُم حُماتُكَ بِالمَحمى حَمَوكَ وَلَم
تُترَك لِيَومٍ أَقامَ الناسَ في كَبَدِ
كَما حَمَيناكَ يَومَ النَعفِ مِن شَطِبٍ
وَالفَضلُ لِلقَومِ مِن ريحٍ وَمِن عَدَدِ
أَو لَأَتَوكَ بِجَمعٍ لا كِفاءَ لَهُ
قَومٍ هُمُ القَومُ في الأَنأى وَفي البُعُدِ
بِجَحفَلٍ كَبَهيمِ اللَيلِ مُنتَجِعٍ
أَرضَ العَدوِّ لُهامٍ وافِرِ العَدَدِ
القائِدُ الخَيلَ تَردي في أَعِنَّتِها
وِردَ القَطا هَجَّرَت ظِمأً إِلى الثَمَدِ
مِن كُلِّ عِجلِزَةٍ بادٍ نَواجِذُها
عَلى اللِجامِ تُباري الرَكبَ في عَنَدِ
وَكُلِّ أَجرَدَ قَد مالَت رِحالَتُهُ
نَهدِ المَراكِلِ فَعمٍ ناتِئِ الكَتَدِ
حَتّى تَعاطَينَ غَسّاناً فَحَربَهُمُ
يَومَ المُرارِ وَلَم يَلوُوا عَلى أَحَدِ
لَمّا رَأوكَ وَبُلجُ البيضِ وَسطَهُمُ
وَكُلُّ مُطَّرِدِ الأُنبوبِ كَالمَسَدِ
غَوَّت بَنو أَسَدٍ غَسّانَ أَمرَهُمُ
وَقَلَّ ما وَقَفَت غَسّانُ لِلرَشدِ
تحليل القصيدة:
قصيدة “دَعا مَعاشِرَ فَاِستَكَّت مَسامِعُهُم” للشاعر عبيد بن الأبرص هي تعبير عن مشاعر الإحباط والخيبة تجاه قبيلة أو مجموعة لم تستجب للنداء في وقت الشدة. يظهر الشاعر في القصيدة حسه القوي بالمسؤولية والانتماء لقبيلته، حيث يقارن بين تصرفات قومه (بني أسد) وباقي القبائل التي لم تقم بواجبها.
الموضوعات الرئيسة:
- النداء وعدم الاستجابة:
- يبدأ الشاعر بوصف كيف أن الدعوة قد وجهت إلى مجموعة من الناس (معاشر)، لكنهم لم يستجيبوا ولم يظهروا أي مبادرة للدفاع أو القتال. يعبّر هذا عن خيبة أمل الشاعر في هؤلاء الذين لم يكونوا على قدر المسؤولية.
- الشجاعة والفروسية:
- الشاعر يصف قبيلته (بني أسد) بالشجاعة والقوة في الحروب، حيث أنهم يقاتلون دون تردد ويحملون السيوف كالنار. هذا يعكس قيم الشجاعة والفروسية التي كانت تُعتبر من أعظم الفضائل في المجتمع الجاهلي.
- الاستنكار واللوم:
- الشاعر يُبدي استنكاره ولومه للقبائل التي لم تحميه أو تقف إلى جانبه في المعركة، مما يجعله يعبر عن غضبه واستيائه تجاههم. يقارن بين ما كان يمكن أن يكون لو أنهم قاموا بواجبهم وما حدث بالفعل.
- الحنين إلى الماضي:
- الشاعر يتذكر يوم النعف، وهي معركة سابقة كانت فيها قبيلته (بني أسد) أبطالًا وأنقذوا الموقف. يستخدم هذا التذكر ليبرز الفرق بين الماضي المجيد والحاضر المحبط.
الأسلوب والصور البلاغية:
- الأسلوب:
- يتميز الأسلوب بالجزالة والقوة في التعبير، حيث يستخدم الشاعر تراكيب لغوية قوية ومعبرة، تليق بجو الحروب والمعارك.
- الصور البلاغية:
- الشاعر يستخدم الاستعارات والتشبيهات بكثرة، مثل تشبيهه للفرسان بالسيوف المشتعلة (كالوقت)، ووصفه للجيوش بأنها كظلام الليل. هذه الصور تساعد في نقل مشاعر الشاعر بشكل حي ومؤثر.
الرمزية والمعاني:
- القبيلة كمصدر قوة:
- يرمز الشاعر إلى القبيلة كمصدر للقوة والحماية، حيث أن القبيلة هي التي تُلبي النداء وتقاتل دفاعًا عن الشرف والأرض.
- الفروسية كقيمة عليا:
- الفروسية والشجاعة يتم تمجيدهما كقيم عليا، والشاعر يعبّر عن احترامه الكبير لمن يظهر هذه الفضائل في مواقف الشدة.
الختام:
القصيدة تعتبر مرآة للثقافة الجاهلية التي كانت تُمجد الشجاعة، القوة، والولاء للقبيلة. الشاعر يعبر عن خيبة أمله من تخاذل بعض القبائل، وفي نفس الوقت يفخر بقومه الذين كانوا وما زالوا عند حسن الظن بهم في الحروب والمعارك. القصيدة تتناول بشكل أساسي مسألة الشرف والولاء في أوقات الشدة، وتُظهر كيف أن هذه القيم كانت تشكل محور الحياة القبلية في العصر الجاهلي.