كم أظهر العشق من سر – تميم البرغوثي
كم أظهرَ العشقُ من سرٍ وكم كتَما وكم أماتَ وأحيا قبلنا أُمَما
تعريف بالشاعر:
تميم البرغوثي شاعر فلسطيني معاصر، وُلِدَ في القاهرة عام 1977. هو ابن الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي والكاتبة المصرية رضوى عاشور. اشتهر تميم في العالم العربي بقصائده التي تعالج قضايا الأمة العربية وتتمحور حول الوطن والهوية. حصل على الدكتوراه في العلوم السياسية وعمل في مناصب أكاديمية ودولية مختلفة. تميز بأسلوبه الشعري الذي يجمع بين العذوبة والعمق، وغالباً ما يتناول في شعره موضوعات تتعلق بالحب والوطن والمقاومة.
قصة القصيدة:
قصيدة “كم أظهر العشق من سر” من أعمال تميم البرغوثي التي تتمحور حول موضوع الحب والعشق. يجسد الشاعر في هذه الأبيات مشاعر الحب بشكل حواري فلسفي يعكس فيه مفارقات العلاقة بين العاشقين، حيث يكون الحب ممزوجًا بالانتصار والخسارة، بالقوة والضعف، بالفرح والحزن. يتميز النص بالعمق العاطفي والفلسفي، حيث يصور الحب كقوة خفية تتحكم في الإنسان بطرق غير متوقعة.
موضوع القصيدة:
القصيدة تتحدث عن الحب وما يصاحبه من مشاعر متناقضة. الشاعر يبرز فكرة أن العشق يكشف الأسرار ويحيي القلوب ويميت الأمم، وأنه في بعض الأحيان تكون الخسارة في الحب شرفًا. يستخدم الشاعر أسلوبًا حواريًا، حيث يتبادل الأدوار مع محبوبته، مما يضفي على النص حيوية وديناميكية. يشير الشاعر أيضًا إلى أن الحب بين العاشقين قد يتسم بالقسوة، ولكنه في النهاية يعيدهم إلى حالة من الاتحاد والمحبة.
كم أظهرَ العشقُ من سرٍ وكم كتَما
وكم أماتَ وأحيا قبلنا أُمَما
قالت غلبتُكَ يا هذا ، فقلتُ لها
لم تغلبيني ولكنْ زِدتِني كرما
بعضُ المعاركِ في خُسرانِها شرفٌ
من عادَ مُنتَصراً من مثلها انهزما !
ما كنت أتركُ ثأري قطُّ قبلَهمْ
لكنّهم دخلُوا من حُسنِهِم حَرَما
يقسو الحبيبانِ قدْرَ الحبِّ بينهما
حتى لَتَحْسَبُ بينَ العاشِقَيْنِ دما
ويرجعانِ إلى خمرٍ مُعَتقةٍ
من المحبةِ تَنفي الشكَّ والتُهَما
جديلئٌ طرفاها العاشقانِ فما
تراهُما افترقا .. إلا ليلتَحِما
في ضمةٍ تُرجعُ الدنيا لسنَّتِها
كالبحرِ من بعدِ موسى عادَ والْتأَما
قد أصبحا الأصل مما يشبهان فَقُل
هما كذلكَ حقاً ، لا كأنَّهُما
فكلُّ شيءٍ جميلٍ بتَّ تُبصِرُهُ
أو كنتَ تسمعُ عنهُ قبلها، فَهُما
هذا الجمالُ الذي مهما قسا، رَحِما
هذا الجمال الذي يستأنسُ الألما
دمي فداءٌ لطَيفٍ جادَ في حُلُمٍ
بقُبْلَتَيْنِ فلا أعطى ولا حرَما
إنَّ الهوى لجديرٌ بالفداءِ وإن
كان الحبيبُ خيالاً مرَّ أو حُلُما
أو صورةٌ صاغَها أجدادُنا القُدَما
بلا سَقامٍ فصاروا بالهوى سُقَماً
الخَصْرُ وهمٌ تكادُ العينُ تخطئُهُ
وجوده بابُ شكٍ بعدما حُسِما
والشَّعرُ أطولُ مِن ليلي إذا هجرت
والوجْهُ أجملُ من حظي إذا ابتسما
في حُسنها شبقٌ غضبانُ قَيَّدَهُ
حياؤُها فإذا ما أفلتَ انتقما
أكرِمْ بهم ُعُصبةً هاموا بما وَهِمُوا
وأكرمُ الناسِ من يحيا بما وَهِما
والحبٌ طفلٌ متى تحكمْ عليهِ يَقُلْ
ظلمتَنِي ومتى حكَّمْتَه ظلما
إن لم تُطِعْهُ بكى وإن أطعتَ بغى
فلا يُريحُكَ محكوماً ولا حَكما
مُذ قلتُ دعْ ليَ روحي ظلَّ يطلُبُها
فقلتُ هاكَ اسْتَلِمْ روحي، فما اسْتلما
وإنَّ بي وجَعاً شبهتُهُ بصدىً
إنْ رنَّ رانَ ، وعشبٍ حينَ نمَّ نما
كأنني علَمٌ لا ريحَ تَنْشُرُهُ
أو ريحُ أخبارِِ نصرٍ لم تَجِدْ عَلما
يا منْ حَسَدْتُم صبِياً بالهوى فَرِحاً
رِفقاً به ، فَهُوَ مقتولٌ وما علما
تحليل القصيدة:
- التناقضات والمفارقات:
- الشاعر يستعرض مفارقات الحب؛ فهو يكشف الأسرار ولكنه يحتفظ ببعضها، يحيي ويميت، ويجمع بين النصر والهزيمة. هذه المفارقات تعكس تعقيد المشاعر الإنسانية، وخاصة في الحب.
- الحوارية:
- استخدام الشاعر للأسلوب الحواري بينه وبين محبوبته يعطي القصيدة بعدًا ديناميكيًا ويعكس التوتر والتفاعل في العلاقة العاطفية.
- الصورة الشعرية:
- تميم البرغوثي يتميز بصوره الشعرية القوية والمبدعة. على سبيل المثال، تصويره للحب كطفل متطلب يُظهر كيف يمكن للحب أن يكون قاسيًا وغير متوقع.
- اللغة والتعبير:
- اللغة في القصيدة تتسم بالبلاغة والفصاحة، مع استخدام التراكيب والصور الشعرية المبتكرة. الشاعر يستخدم استعارات وكنايات قوية تعبر عن عمق المشاعر وتعقيدها.
- الفلسفة العاطفية:
- القصيدة تحتوي على تأملات فلسفية حول الحب، مثل فكرة أن بعض المعارك تكون الشرف فيها بالخسارة، وأن الحب يمكن أن يكون قاتلاً وملهمًا في آن واحد.
هذه القصيدة تعكس عمق فهم تميم البرغوثي للعواطف الإنسانية وتعبر عن رؤيته المعقدة للحب والعشق. تعتبر من الأعمال التي تجسد قدرته على التعبير عن المشاعر بأسلوب فلسفي وبلغة شعرية راقية.