صباح الطعن في كر وفر – عنترة بن شداد
صباحُ الطَّعن في كَرّ وفرّ ولاَ ساقٍ يَطوفُ بكأس خمرِ
تعريف الشاعر:
عنترة بن شداد العبسي هو شاعر وفارس عربي من العصر الجاهلي، ويُعدّ من أشهر شعراء العرب في الجاهلية. وُلِد عنترة لأبٍ عربي، شداد العبسي، وأم حبشية تُدعى زبيبة، ما جعله يعاني من التمييز العنصري في بداية حياته. غير أن شجاعته وبسالته في القتال، بالإضافة إلى شعره البليغ، منحته مكانة مرموقة بين قومه، حيث اعترف والده بنسبه وألحقه بعائلته. يُعرف عنترة بقصائده التي تعبّر عن الحب والحرب، وخاصة حبه العميق لعبلة بنت مالك، ابنة عمه، التي طالما تغنى بها في شعره.
قصة القصيدة:
قصيدة “صباح الطعن في كر وفر” تعبر عن جانب من شخصية عنترة، حيث يظهر فيها قوته وبسالته في القتال. يبدأ عنترة بالتأكيد على أنه يفضّل المعارك والطعان على حياة اللهو والترف، فهو يجد في القتال والفرّ والكرّ متعته الحقيقية، ويفضلها على كأس الخمر واللهو. يعبر عن شجاعته الفائقة وقوته الهائلة في ميدان المعركة، مشيراً إلى أنه ليس فقط لا يخاف من السيوف والرماح، بل يُبثّ الرعب في قلوب أعدائه.
يذكر عنترة في هذه القصيدة مواجهته لبني شيبان، وكيف أثبت لهم قوته وصلابته. وهو يتفاخر بأنه استطاع أسر زعماءهم وتفريقهم، مؤكداً على أنه قادر على استعادة مكانته وتحقيق نصره الشخصي من خلال القوة والبسالة. كما يشير إلى أنه سيسترد مهر عبلة الذي كان يتمنى دفعه في الماضي.
صباحُ الطَّعن في كَرّ وفرّ
ولاَ ساقٍ يَطوفُ بكأس خمرِ
أحَبُّ إليَّ من قَرْعِ المَلاهي
على كأسٍ وإبريقٍ وزهْرِ
مدامى ما تبقى من خماري
بأَطرافِ القَنا والخَيلُ تَجْري
أَنا العبْدُ الّذي خُبِّرْتَ عَنْه
يلاقي في الكريهة ِ ألفَ حرِّ
خلقتُ من الحديد أشدَّ قلباً
فكيفَ أخافُ من بيضٍ وسمرِ
وأبطُشُ بالكَميِّ ولا أُبالي
وأعلو الى السِّماكِ بكلّ فخر
وَيُبصرُني الشُّجاعُ يَفِرُّ منّي
ويرعشُ ظهرهُ مني ويسَري
ظَنَنْتُم يا بني شَيْبانَ ظَنَّا
فأخلفَ ظنكم جلدي وصبري
سُلوا عني الرَّبيعَ وقد أتاني
بجُردِ الخيل منْ سادات بدر
أسرتُ سراتهُم ورجعتُ عنهم
وقد فرقتهم في كل قطرِ
وها أنا قدْ برزتُ اليومَ أشفي
فُؤادي منكم وغَليلَ صدْري
وآخُذُ مالَ عَبلَة َ بالمواضي
وَيَعرفُ صاحبُ الإيوانِ قدري
التحليل القصيدة:
القصيدة تعكس فخر عنترة بنفسه وشجاعته، فهو يجمع بين القوة الجسدية والشجاعة الفائقة وبين الفخر والعزة بالنفس. هذه الصفات تعكس ما كان يعتبر مثاليًا في الفارس العربي في تلك الحقبة. عنترة يرى أن الحياة الحقيقية هي في ميدان المعركة، حيث يظهر فيها قوة شخصيته وصلابته، ويؤكد على أن الشجاعة والبسالة هي التي تمنحه القيمة الحقيقية وليس النسب أو اللون.
القصيدة تحمل في طياتها إحساسًا بالاستقلال والاعتماد على الذات، حيث يظهر عنترة هنا كرجل عصامي حقق مكانته بفضل قوته وإصراره وليس بفضل اعتراف الآخرين به. يوضح فيها أنه لا يعتمد على الحظ أو الأقدار، بل على شجاعته وقدرته على مواجهة الصعاب، ما يجعله في نظر نفسه أعلى من الآخرين، خاصة أولئك الذين لا يملكون تلك الصفات.
الأسلوب في القصيدة يتميز بالقوة والجزالة، ويتسم بإيقاع حماسي يعكس طبيعة الحياة التي يصفها عنترة، حيث يستخدم الألفاظ التي تعبر عن القوة والصمود مثل “الطعن”، “الفرّ”، “أبطش”، و”الشجاع”. كما أنه يستخدم التناقض بين حياة اللهو والترف وحياة المعارك ليبرز تفضيله الشديد للقتال، مما يضيف عمقًا إلى شخصيته الفريدة.
في النهاية، القصيدة تقدم لنا صورة عن فارس جاهلي مثالي، يعتز بشجاعته وفروسيته، ويرى في القتال غايته وأسلوب حياته، وهو ما يجسد روح العصر الجاهلي بشكل جلي.