جفون العذارى من خلال البراقع – عنترة بن شداد
جفُونُ العذَارى منْ خِلال البرَاقع أحدُّ من البيضِ الرِّقاق القواطعِ
تعريف الشاعر:
عنترة بن شداد العبسي هو شاعر وفارس عربي من الجاهلية، وُلد لأب من قبيلة عبس وأم حبشية. اشتهر بشجاعته وفروسيته وأيضًا بحبه لابنة عمه عبلة، التي كانت مصدر إلهام لعدد كبير من قصائده. رغم كونه عبدًا في بداية حياته، نال حريته بعد إظهار بطولته في المعارك. تميز شعره بالفخر والحماسة، ووصف المعارك والغزل العفيف.
قصة القصيدة:
قصيدة “جفون العذارى من خلال البراقع “ تنتمي إلى غرض الغزل والرثاء مع لمسات من الفخر بالنفس والبطولات. يبدأ عنترة بوصف جمال عيون النساء من خلف البرقع، مشيرًا إلى قوة تأثيرها وكأنها أسلحة حادة. ثم ينتقل إلى تصوير مشهد حزن الشجاع وبكائه عندما يتعرض للخطر، مما يشير إلى لحظات الضعف الإنسانية التي قد تواجه حتى أشجع الرجال.
يستذكر عنترة في الأبيات التالية عمه الذي تسبب في مقتله وقطع أصابعه، ويرى أن هذا كان نتيجة لقيادته إياه إلى الهلاك بالباطل. ثم يعبر عن حزنه العميق لفراق عبلة، حيث تصور مشاعرها نحوه وخوفها من مستقبله المظلم إذا رحل عنها.
جفُونُ العذَارى منْ خِلال البرَاقع
أحدُّ من البيضِ الرِّقاق القواطعِ
إذا جرَّدتْ ذلَّ الشُّجاعُ وأصبحتْ
محاجرهُ قرْحى بفَيض المدَامِعِ
سقى اللهُ عمِّي من يدِ الموتِ جرعة ً
وشلَّتْ يدَاهُ بعد قَطْعِ الأَصابعِ
كما قادَ مثْلي بالمحالِ إلى الرَّدى
وعلّقَ آمالي بذَيْل المطامع
لقد ودّعتني عبلة ٌ يوْم بَيْنها
وداعَ يقين أنني غير راجع
وناحتْ وقالت: كيف تُصْبح بعدَنا
إذا غبتَ عنَّا في القفار الشواسع
وحقّكِ لاحاولتُ في الدهر سلوة ً
ولا غيّرتني عن هواكِ مطامعي
فكنْ واثقاً منّي بحسنِ مودّة ٍ
وعِشْ ناعماً في غبطة ٍ غير جازع
فقلْتُ لها: يا عَبلُ إني مسافرٌ
ولو عَرَضَتْ دوني حُدُودُ القواطعِ
خلقنا لهذا الحبِّ من قبل يومنا
فما يدخُل التنفيذُ فيه مسامعي
أيا علم السّعدي هل أنا راجعٌ
وأنظرُ في قطريك زهرَ الأراجع
وتُبصِرُ عَيْني الرَّبوَتيْن وحاجراً
وسكانَ ذاكَ الجزْعِ بين المَراتع
وتجمعنا أرضُ الشربَّة واللوى
ونَرتَع في أكْنافِ تلكَ المرابع
فيا نسماتِ البانِ بالله خبِّري
عُبَيلَة َ عنْ رَحلي بأَيِّ المَواضِعِ
ويا بَرْقُ بلّغْها الغدَاة َ تحيَّتي
وحيِّ دياري في الحمى ومَضاجعي
أيا صادحاتِ الأيكِ إن متُّ فاندُبي
على تُرْبتي بين الطُّيور السَّواجع
ونُوحي على من مات ظلماً ولم ينلْ
سِوى البُعدِ عن أحْبابِهِ والفَجائع
ويا خَيْلُ فابكي فارساً كان يلْتقي
صدور المنايا في غبار المعامع
فأْمْسى بعيداً في غرامٍ وذِلَّة ٍ
وقيدٍ ثقيلٍ من قيودِ التوابع
ولَسْتُ بباكٍ إنْ أتَتْني منيَّتي
ولكنَّني أهْفو فتَجري مدَامِعي
وليس بفَخْر وصْفُ بأْسي وشِدّتي
وقد شاع ذكري في جميع المجامع
بحقّ الهوَى لا تَعْذِلُونيَ واقْصِرُوا
عن اللّوْم إنّ اللّوم ليسَ بنافع
وكيفَ أُطيقُ الصَّبْرَ عمَّنْ أحبُّه
وقد أضرمتْ نار الهوى في أضالعي
تحليل القصيدة:
1. الغزل ووصف الجمال:
- يبدأ عنترة قصيدته بوصف عيون النساء من خلف البرقع، حيث يشبّه حدة نظراتهن بالسيوف الحادة. هذا الوصف يعكس مهارة عنترة في استحضار الصور البلاغية القوية، ويظهر مدى تأثره بجمال المرأة وقوة تأثيره عليه.
2. مشاعر الحب والوفاء:
- عنترة يتحدث عن حبه العميق لعبلة، ويعبر عن استعداده لمواجهة المخاطر من أجلها. يُظهر عنترة في هذه الأبيات مدى إخلاصه ووفائه لحبيبته، حيث يؤكد أنه لن يتخلى عن حبها مهما كانت الظروف. يبرز هذا الشعور من خلال مشاهد الوداع والحزن على الفراق.
3. الفخر بالذات والبطولات:
- في وسط مشاعر الحب، لا يغفل عنترة عن التفاخر ببطولاته وشجاعته. يذكر أن شهرته انتشرت في كل المجالس، مما يعكس ثقته بنفسه وبمكانته كفارس مشهور. ومع ذلك، يشير أيضًا إلى أن هذه البطولات لا تعني له الكثير مقارنة بحبه لعبلة.
4. الحزن والاغتراب:
- تتخلل القصيدة مشاعر الحزن والأسى على الفراق والاغتراب. عنترة يعبر عن خشيته من أن يموت بعيدًا عن أحبته، وتظهر الأبيات قلقه من العيش بعيدًا عن عبلة. هذا الجانب يعكس الطبيعة البشرية في الشاعر، حيث يتصارع بين مشاعر الحب والولاء وبين الخوف من الفراق والموت.
5. التناقض بين القوة والضعف:
- القصيدة تظهر تباينًا بين القوة والضعف في شخصية عنترة. رغم فخره ببطولاته وشهرته، يظهر عنترة جانبًا آخر من شخصيته يتمثل في الحزن والبكاء على فراق الحبيبة. هذا التناقض يعكس عمق الشخصية الإنسانية وعنترة بالذات، حيث يمتزج الفخر بالذات بالحزن العميق.
6. الرمزية واستخدام الطبيعة:
- يستخدم عنترة رموزًا من الطبيعة، مثل النسيم والبرق والطير، للتعبير عن مشاعره وأفكاره. هذه الرموز تضفي على القصيدة طابعًا شعريًا عميقًا، وتعبر عن شوقه للقاء حبيبته والتواصل معها حتى في غيابه.
الخلاصة:
القصيدة تمثل نموذجًا قويًا للشعر الجاهلي الذي يجمع بين الفخر والغزل والرثاء. عنترة يعبر بصدق عن مشاعره، مقدّمًا صورة لشاعر محب، فارس شجاع، وإنسان يتألم من الفراق. تمكن من تصوير مشاعره ببلاغة وقوة، مما يجعل القصيدة تعكس بوضوح قوة الحب وعمق العاطفة في مواجهة تحديات الحياة.