إذا كشف الزمان لك القناعا – عنترة بن شداد
إذا كشفَ الزَّمانُ لك القِناعا ومَدَّ إليْكَ صَرْفُ الدَّهر باعا
تعريف الشاعر:
عنترة بن شداد العبسي هو أحد أشهر فرسان العرب في الجاهلية وشاعر من شعراء المعلقات. وُلِد في قبيلة بني عبس لأب عربي هو شداد وأم حبشية تدعى زبيبة، مما جعله يواجه التمييز في صغره لكونه ابن أمة. رغم ذلك، برز بشجاعته في المعارك وبفروسيته حتى أصبح فارساً مشهوراً وشاعراً مبدعاً، وارتبط اسمه بالبطولة والمروءة. كانت قصة حبه لابنة عمه عبلة محورًا أساسيًا في شعره وحياته.
قصة القصيدة:
تتناول قصيدة “إذا كشف الزمان لك القناعا” قيمة الشجاعة والإقدام في وجه الموت، إذ يعكس عنترة فيها تجربته الشخصية ومواقفه في الحروب، مشددًا على أهمية مواجهة المخاطر بشجاعة دون خوف من الموت. يستنكر الشاعر فكرة الخوف والجبن، ويعزز فكرة أن الإنسان لا يجب أن يخشى الموت بل يجب عليه مواجهته بشجاعة. كما يشير إلى دور الفرسان في المعارك وكيف يكون الموت أفضل من العيش في الذل.
القصيدة تبرز أيضًا اعتماد عنترة على قوته وشجاعته، وتفخر بأفعاله وبما حققه من انتصارات في ساحات المعارك. وهو يدعو إلى مواجهة الحياة بشجاعة وعدم الانكفاء وراء الراحة أو البكاء على الأطلال، بل الاندفاع نحو المجد والكرامة.
إذا كشفَ الزَّمانُ لك القِناعا
ومَدَّ إليْكَ صَرْفُ الدَّهر باعا
فلا تخشَ المنية َ وإقتحمها
ودافع ما استطعتَ لها دفاعاً
ولا تخترْ فراشاً من حريرٍ
ولا تبكِ المنازلَ والبقاعا
وحَوْلَكَ نِسْوَة ٌ ينْدُبْنَ حزْناً
ويهتكنَ البراقعَ واللقاعا
يقولُ لكَ الطبيبُ دواك عندي
إذا ما جسَّ كفكَ والذراعا
ولو عرَفَ الطَّبيبُ دواءَ داء
يَرُدّ المَوْتَ ما قَاسَى النّزَاعا
وفي يوْم المَصانع قد تَركنا
لنا بفعالنا خبراً مشاعاً
أقمنا بالذوابل سُوق حربٍ
وصيَّرنا النفوس لها متاعا
حصاني كانَ دلاّل المنايا
فخاض غُبارها وشَرى وباعا
وسَيفي كان في الهيْجا طَبيباً
يداوي رأسَ من يشكو الصداع
أَنا العبْدُ الَّذي خُبّرْتَ عَنْهُ
وقد عاينْتَني فدعِ السَّماعا
ولو أرْسلْتُ رُمحي معْ جَبانٍ
لكانَ بهيْبتي يلْقى السِّباعا
ملأْتُ الأَرضْ خوْفاً منْ حُسامِي
وخصمي لم يجدْ فيها اتساعا
إذا الأَبْطالُ فَرَّت خوْفَ بأْسي
ترى الأقطار باعاً أو ذراعا
تحليل القصيدة:
القصيدة تعكس صورة الشجاعة والفروسية التي كانت تميز عنترة بن شداد، كما أنها تقدم فلسفة الشاعر تجاه الحياة والموت. عنترة يظهر كبطل لا يهاب الموت، بل يراه جزءًا من الحياة التي يجب مواجهتها بشجاعة وبسالة. كما أنه يسخر من فكرة الاستسلام أو الانهزامية، ويؤكد على ضرورة الوقوف بوجه الأقدار مهما كانت.
الأسلوب الشعري في القصيدة يعبر عن القوة والإقدام، حيث يستخدم عنترة اللغة بشكل يُظهر قدرته على التصرف بثقة وشجاعة. وهو يتباهى بسيفه وحصانه ودورهما في المعارك، مما يعزز صورة الفارس البطل الذي يخوض غمار المعارك دون تردد.
يمكن القول إن القصيدة تعكس فلسفة عنترة تجاه الحياة، حيث يرى أن المجد والكرامة لا يتحققان إلا من خلال الشجاعة والإقدام في مواجهة المخاطر، وعدم الخوف من الموت الذي يعتبره مجرد جزء من الحياة.